ذكرى ميلاد: إبراهيم ناجي.. شاعر يختفي خلف الأطلال

31 ديسمبر 2020
إبراهيم ناجي في بورتريه لـ منذر شرابي
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس والعشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الشاعر المصري إبراهيم ناجي (1898 - 1953).


"يا حبيبي، رحم الله الهوى" ذلك هو مطلع إحدى أشهر القصائد العربية في القرن العشرين، غير أنها عُرفت بمطلع آخر ذلك أنها اشتهرت بالأساس كأغنية أدّتها أم كلثوم بداية من 1966 بتلحين من رياض السنباطي وجرى تغيير المطلع إلى "يا حبيبي، لا تسل أين الهوى... كان صرحاً من خيال فهوى" (بعد تحرير قام به أحمد رامي)، وصارت الأغنية علامة أيقونية في تاريخ الفن العربي تحمل عنوان "الأطلال".

للحظة أماطت "الأطلال" اللثام على شاعر قد خرج من دوائر المقروئية منذ رحيله قبل أكثر من عشر سنوات، ولكن لاحقاً ومع استمرار نجاح الأغنية باتت الأخيرة تحجب مُبدعها، أو أن العودة إليه انحسرت في أسئلة من قبيل: من هي المرأة التي كُتبت من أجلها هذه القصيدة، خاصة أننا حين نعود إلى ديوان "ليالي القاهرة" نجد تصديراً يشير فيه ناجي إلى علاقة عاطفية انتهت بأن أصبح العاشق "أطلال روح"، وصارت الحبيبة "أطلال جسد".

كانت الروح الحزينة التي تسري في القصيدة تعبّر عن مجمل منجز الشاعر المصري ولكنها لا تختزله تماماً، فمع "الأطلال" كانت هناك الكثير من القصائد التي لفتت القراء حين صدرت بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي في دواوينه الأربعة: "وراء الغمام" (1934)، و"ليالي القاهرة" (1944)، و"في معبد الليل" (1948)، وآخرها ديوان "الطائر الجريح" (1953).

في لحظة من اللحظات بدا أن ناجي هو الصوت الأكثر اكتمالاً ضمن تيار "أبوللو" الذي نقل الشعر العربي إلى فضاء الرومانسية، لكن رومانسية إبراهيم ناجي لم تذهب إلى عناصر الطبيعة كما في شعر علي محمود طه وأبو القاسم الشابي، وإنما اتجهت نحو الرمزي والنفسي، واعتماد معجم العواطف المجرّدة، وهو ما نجد أثره بيسر في قصيدة "الأطلال" وفي نصوص أخرى مثل "الوداع" و"صخرة الملتقى" و"الميعاد الضائع" و"ملحمة السراب". 

رغم هذه المكانة بين نظرائه من المنتمين إلى حركة "أبولو"، ورغم التفات جدّي من شريحة من القراء كانت تقبل على شعره، فإن ناجي لم يحظ باعتراف أدبي، ويعود ذلك أساساً للعدوانية التي ووجه بها من قبل كبار النقاد ومنهم عباس محمود العقاد وطه حسين إذ وجدا في شعره ابتعاداً عن الذائقة الأدبية العربية بتراثها الشعري العريق. 

ولا يخفى هنا أن التركيز على كون ناجي طبيبٌا كان نوعاً من إسقاط الشاعرية عنه، فكأنه بالنسبة لمنتقديه ظل طول حياته يكتب الشعر كهواية. وفي هذا السياق كثيرا ما جرت الإشارة إلى هشاشة ناجي النفسية حيث كان لا يحتمل النقد القاسي الذي يوجّه ضدّه ولعل تجربته لم تبلغ مداها بسبب هذا التخوّف من سهام النقّاد.

المساهمون