في عام 2013، نُشر كتاب "العراق في زمن الحرب.. الجندية والاستشهاد وإحياء الذكرى"، لأستاذة التاريخ والشؤون الدولية والباحثة اللبنانية الأميركية دينا رزق خوري، عن "منشورات جامعة كامبردج" التي وثّقت فيه الحروب التي عاشها العراقيون خلال ثلاثة وعشرين عاماً سبقت الاحتلال الأميركي.
صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بترجمة أيمن حداد، حيث تعود المؤلّفة إلى الحرب الإيرانية العراقية، مروراً بحرب الخليج الأولى والعقوبات التي فُرضت على العراق بعد غزوه الكويت، حيث تجادل بأن الحرب كانت شكلاً من أشكال الحكم البيروقراطي اليومي من خلال تفحّص سياسات الحكومة العراقية، المتمثلة في خلق الموافقة عليها وإدارة المقاومة والتنوع الديني وتشكيل الثقافة العامة.
تركز خوري على الرجال الذين حاربوا واستشهدوا خلال تلك الحروب، وكذلك شهادات عائلاتهم، في محاولة لتقديم قصة متعددة الطبقات لمجتمع أصبحت فيه الحرب هي القاعدة، وكيف غدت أمراً دائماً، وهي مسألة وثيقة الصلة بالحاضر على نحوٍ مأساوي.
وتستعرض التاريخ الاجتماعي لسياسات الحرب في عراق البعث، وليس تاريخًا عسكريًا للحرب الإيرانية - العراقية أو حرب الخليج (1990-1991)، كما أنه ليس تاريخًا سياسيًا لحزب البعث وزعيمه صدام حسين أيضاً، حيث ترصد ثلاث جبهات كانت تقاتل عليها الدولة في الثمانينيات، وهي مسرح الحرب مع إيران، وصراعها لقمع حركتيْ التمرّد التي قام بها الأكرد في الشمال والأحزاب الدينية في الجنوب، إلى جانب ملاحقة قطاعات متعددة من الشعب العراقي لتحديد "الخونة" و"المخربين" والهاربين من الجيش وعناصر الطابور الخامس.
تهتم المؤلفة في هذا الكتاب، باعتبارها مؤرّخة اجتماعية، بتحليل الحياة اليومية للعراقيين الذين عاشوا الحرب، جنوداً وعائلات ومواطنين، في دولةِ حزبٍ واحدٍ بيروقراطية عازمة على شن حروب الأمن القومي ومكافحة التمرد في الوقت ذاته.
وتعتمد المؤلفة في كتابها على السجلات الفريدة للدولة البعثية التي كانت متوافرة لدى "مؤسسة الذاكرة العراقية"، وهي تتضمن سجلات بيانات شمال العراق (صور رقمية لأكثر من مليونين ونصف مليون وثيقة)، وعلى مجموعة وثائق القيادة القطرية لحزب البعث (نحو ثلاثة ملايين صفحة من الوثائق). كما لم تغفل إجراء المقابلات مع جنود ومثقفين عراقيين ممن قاتلوا في الحروب أو شهدوا انتفاضة عام 1991، ويتحدرون من قطاعات مختلفة من المجتمع العراقي، ومن مناطق عراقية مختلفة.
وتبرز دور السلطات العراقية في مسارين اثنين؛ جهودها في السيطرة الاجتماعية من ناحية، وتبديد الموارد من خلال إجبار جهاز الدولة على توثيق سلوك وفكر مواطني العراق من ناحية أخرى، حيث كانت جهود النظام البعثي موجهة إلى الجبهة الداخلية بقدر ما كانت موجهة إلى خوض الحرب، وكان مهتماً بابتداع المؤامرات كلما تعرّض إلى انتكاسات في الحرب، كما حصل عندما أصبح الوضع العسكري يائساً مع احتلال القوات الإيرانية شبه جزيرة الفاو في 1986.
يُذكر أن دينا رزق خوري حازت درجة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط عام 1987 من "جامعة جورجتاون" في الولايات المتحدة الأميركية، وتركز في عملها العلمي على العراق والخليج العربي من العهد العثماني حتى الوقت الحاضر، ولها عدّة كتب ودراسات، منها "الدولة ومجتمع الولاية في الإمبراطورية العثمانية: الموصل 1540-1834"، الذي صدرت ترجمته إلى العربية عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.