ضمن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثًا النسخة العربية من كتاب "حماية الدولة" للباحث البريطاني ديفيد أوماند بترجمة الكاتب والمترجم السوري عمرو الملاح.
يشير المؤلّف إلى أن الحكومات تدرك أن الأمن القومي في الأوضاع المضطربة ببداية هذا القرن، يجب أن يركّز على خلق ثقة الجمهور بأن الحياة الطبيعية يُمكن أن تستمرّ حتى في مواجهة التهديدات مثل الإرهاب، والأخطار الطبيعية مثل الأوبئة، وتغيّرات المناخ.
ويرى أوماند، استنادًا إلى تجربته الخاصة في الحكومة، أنه في حين أن الأمن العام أمر حيوي للحكومة الجيدة، فإن الحكومة السيئة سينجم عنها فشل في الحفاظ على العلاقة الصحيحة بين العدالة والحرية والخصوصية، والوئام المدني والتدابير الأمنية.
يفحص الكتاب القضايا الناشئة عن استخدام الذكاء التكنولوجي للوصول إلى مصادر جديدة للمعلومات
يدرس الكتاب بالتفصيل كيف تساعد الاستخبارات السرية الحكومات على توفير الأمن، لكنه يخاطر أيضًا بإثارة قلق الجمهور بشأن أساليبها. لذلك، يقترح مجموعة من المبادئ الأخلاقية لتوجيه العمل الاستخباري والأمني في إطار حقوق الإنسان، ويفحص القضايا الناشئة عن استخدام الذكاء التكنولوجي للوصول إلى مصادر جديدة للمعلومات، ويناقش كيف يمكن توضيح معنى الاستخبارات على أفضل وجه. ويقدّم أوماند وجهات نظر جديدة للممارسين وأولئك الذين يعلّمون دراسات الأمن والاستخبارات، كما يسهّل الوصول إلى القضايا الملحّة للسياسة العامة.
يتخذ عالم الأمن القومي والمعلومات الاستخبارية موقفًا عقلانيًا قويًا، بحسب الكتاب، استنادًا إلى افتراض مفاده أن من شأن توافر المزيد من المعلومات أن يسفر عن قدرٍ أقل من الجهل، إذًا، يمكن اتخاذ قرارات أفضل، قائمة على المعرفة، وتحظى بفرصة أكبر في أن تكون مواتية، ومن ثم يمكن أن تفضي إلى تحقيق نتائج أفضل. ولا يمنح امتلاك الأسرار ميزة في الحالات كلها، وليس من الممكن دومًا اتخاذ إجراءات بناءً عليها. وليست المعرفة السرية مبعثًا للراحة لدى الحكومة في الكثير من الحالات، ولعل ثمة تشابهًا مع مرضى يطّلعون على ملفهم الوراثي، كاشفين عن وجود استعداد لديهم للإصابة بمرض خطر في الأعوام المقبلة، لا يمكنهم فعل أي شيء تجاهه، غير أن الإلمام به قد يُحدث تغييرات جوهرية في حياتهم.
ومع ذلك، فالأمل معقود على أن يُحدث التقييم الاستخباري فارقًا بَيِّنًا، وأن يؤدي إلى تعزيز القرارات. وهناك، بطبيعة الحال، بعض الأوقات التي لن توفر فيها المعلومات الاستخبارية الجيدة سوى المعرفة اليقينية بالعمل بلا هوادة، انطلاقًا من سيرورة تاريخية تعجز الحكومات عن إيقافها، وينبغي للنهج العقلاني أن يسفر عن نتائج لا بد من أن تؤدي في المتوسط إلى حظوظ أفضل في النجاح بالنسبة إلى الحكومة المعنية. بيد أن صانعي السياسات والقادة العسكريين ما فتئوا يتّخذون بعض القرارات الخاطئة، نظرًا إلى أنهم مضلّلون في بعض الأحيان بفعل أدلّة مغلوطة، أو لأن الافتقار إلى الدلائل أمر يبعث على التضليل، وفق المؤلّف.
ويلفت أوماند إلى أن التجربة تبيّن أيضًا أنه حينما يوشك الوضع أن يتغير على نحو هائل جدًا، وتكون الحكومات مقبلة على مواجهة مفاجآت كبرى، فمن المرجّح أنّ القاعدة المستندة إلى الدلائل والتحليل ستصيب صانعي السياسات بالإحباط، وهي سمة غالبًا ما تطبع العالم بطابعها.
وينبّه إلى أن ما يريده صانع السياسة عادةً في المقام الأول من محلل المعلومات الاستخبارية، أو خبير الأرصاد الجوية، أو خبير الزلازل، أو الاختصاصي في العلوم السياسية، أو المتنبئ بالمستقبل، هو تقدير الاحتمالات. ويمكن اتخاذ مزيد من التدابير الأمنية للحد من الاحتمالات، إذا قُدّر أن ذلك فعّال من حيث التكلفة، لتقليل المخاطر العامة. وهناك تلك الأحداث العادية التي هي النتيجة الحتمية للعيش مع نظم تفاعلية معقدة للغاية.
ويبيّن أوماند أنه كما هو الحال بالنسبة إلى المهن الأخرى ذات المخاطر العالية، يمكن أيضًا أن توجد طبيعة المعلومات الاستخبارية موضوع البحث مستويات عالية من التوتر، خصوصًا، نظرًا إلى التنافر الداخلي بين الأهداف المتضاربة والمتنافرة أصلًا، مثل الحاجة إلى الحفاظ على الشعور بالاعتزاز بالنفس والقيم الشخصية، والتصرف بأسلوب معدّ لإنجاز مهمات من أجل الحصول على النتائج، ومن الأمثلة على ذلك التلاعب بدوافع أحد المخبرين المحتملين. ويغدو التوتر بالنسبة إلى البعض عظيمًا جدًا، وإذا لم يعمل الفرد على استيعاب توقعات المنظمة الاستخباراتية للسلوك في مثل هذه المواقف على نحو كافٍ، فعندئذ قد تكون الخطوة التالية أخبارًا تتصدر عناوين الصحف. ويمكن أن يُظهر المجتمعات والمنظمات وكذلك الأفراد ضغوطًا جماعية، وفي تلك الحالة، تصبح العلاقات الاقتصادية العقلانية بين الأصيل والوكيل غارقة في ديناميات العواطف والمشاعر.