- "ديار بئر السبع، جنوب فلسطين العثماني" لأحمد أمارة، يُقدم تحليلاً للإصلاحات العثمانية في الإدارة والزراعة وتأثيرها على المنطقة، مع التركيز على العناصر الإدارية والقانونية.
- يستكشف الكتاب تاريخ ديار بئر السبع من منتصف القرن التاسع عشر حتى 1948، متناولاً الاقتتال العشائري، بناء مدينة بئر السبع، والتحولات خلال الحرب العالمية الأولى وتحت الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني، مع التركيز على مسألة القرى المسلوبة.
شكّل النصف الثاني من القرن التاسع عشر نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ جنوب فلسطين، حيث بدأ العثمانيّون مَرْكَزة سلطتهم ومحاولة إرساء حُكم مباشر في الأقطار المختلفة، وتُجاه المجتمعات العشائرية، كما أنهم تطلّعوا إلى ما رأوه مشروع إصلاح اجتماعي للعشائر في سبيل تمدينها، إلى جانب الدفاع عن السيادة العثمانية وعن فلسطين في وجه التهديدات الأوروبية. في الوقت نفسه، كانت الزراعة مركزية في منطقة بئر السبع، وولّدت روابط خاصة بالأرض، وأسَّست علاقات مُلكيّة وعلاقات اجتماعية - اقتصادية مُثيرة للاهتمام.
"ديار بئر السبع، جنوب فلسطين العثماني: الأرض والمجتمع والدولة" عنوان كتاب الباحث الفلسطيني أحمد أمارة الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".
يبحث الكتاب في الإصلاحات الإدارية العثمانية والزراعة المحلّية المُتشابكة، حيث يُبيّن أنّ التوسُّع الزراعي جذَب مزيداً من الاهتمام العُثماني في المنطقة، بينما توسّعت الزراعة أيضاً بفضل تحسين الحُكم؛ فمنذ ستينيات القرن التاسع عشر، أخذت الحكومة العثمانية تزيد فعاليّتها وتدخُّلها في شؤون العشائر المحلّية، ولا سيما علاقات المُلكية.
يتكوّن الكتاب من مقدّمة مع فصل تمهيدي وقسمَين، يشمل كلّ قسم ثلاثة فصول، وهُما منظّمان حول عُنصرين رئيسَين للإصلاحات العُثمانية: العنصر الإداري والعنصر القانوني. ويُشار إلى أنّ الفصل التمهيدي هو بمنزلة الفصل الأوّل من الكِتاب، وهو يسعى إلى تأطير النقاش وتزويد القارئ بالسياق السياسي - الجغرافي الأوسع للسياسات العثمانية الإصلاحية في منتصف القرن التاسع عشر، وسياساتهم المتغيّرة بشكل خاص تجاه المجتمعات العشائرية والثغور الحدودية.
بحثٌ في الإصلاحات الإدارية العثمانية والزراعة المحلّية المُتشابكة
يُركّز الفصل الأول على الإصلاحات العثمانية في جنوب فلسطين والأسباب التي أدّت الى تأسيس مدينة بئر السبع الجديدة، وتأسيس قضاء بئر السبع الإداري، واستمرار الإرث الإداري القضائي العثماني حتى اليوم. ثم يعرض الفصل بشكل نقدي مسألة دراسة تاريخ جنوب فلسطين، والأدبيات ذات العلاقة، والنقص الذي تُعانيه تلك الأدبيات بشأن النمطية والفئات التحليلية الطاغية في هذا السياق.
يُقدّم الفصل الثاني نقاطاً مبدئية تشكّل أساساً مهمّاً للبحث، ومن ضمنها التعريف بأجزاء جنوب فلسطين المختلفة، وبسكّانها واقتصادها المحلّي الذي تمركز حول زراعة الشعير. ويعرض الشبكات الاجتماعية التي تطوّرت في المنطقة في ذلك الوقت، وكجزء من النقاش الدائر حول كيفية تشكُّل "النقَب" كوحدة جغرافية - سياسية، وهيمنته كفئة بحثيّة، إلى جانب مصطلح "البدو"، يعرض الفصل الحقبة العثمانية للتعريف ببلاد غزّة أو ديار بئر السبع، ومُميزاتها الخاصة، والتي لم تكن تُعرف قطّ باسم النقب، كما ويعرّف الفصل بالسكّان المحليّين الذين كانوا يُعرفون بالـ"عرب" محلّياً أو بالـ"عُربان" عند الإدارة العثمانية. لذا، يعرض الفصل التحوّلات في جنوب فلسطين، والمفاهيم المُختلفة للمنطقة عند جهات عدّة، بما في ذلك السكّان المحليّون والإدارة العثمانية والرحّالة الأوروبيّون منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.
أما الفصل الثالث، فيستكشف تاريخ ديار بئر السبع ما بين عامي 1850 و1900، أي قبل تأسيس مدينة بئر السبع. وذلك من خلال معالجة قضية "الاقتتال العشائري" الذي يسيطر على رواية تاريخ ما قبل تأسيس مدينة بئر السبع. في حين يتناول الفصل الرابع بناء مدينة بئر السبع والقرار العثماني بشأنه، وتأسيس قضاء إداري جديد بين عامي 1900 و1917 باعتباره واحداً من المشاريع المتأخّرة جدّاً للإصلاحات العثمانية على المناطق الحدودية. يبسط هذا الفصل النُّظم الإدارية والقانونية الجديدة كما جرى تأسيسها في بئر السبع في إطار قانون الولايات العثمانية، وقانون الأراضي، والقوانين التي تتعلّق بالقضاء.
إلى جانب تطوُّر المنطقة سياسيّاً وإداريّاً، وعملية إصلاح التنظيمات وتطويرها في بئر السبع، يبحث القسم الثاني للكتاب في رواية تطبيق القانون على أرض الواقع بشكل فعلي، من خلال التركيز على تشكُّل الإصلاحات القانونية العثمانية بشأن الأراضي حيث يتناول الفصل الخامس إدارة الأراضي الجديدة التي أُسّست في بئر السبع، وتداعيات قانون الأراضي العثماني في ما يتعلّق بالاقتصاد والعلاقات المحلّية.
تعريفٌ ببلاد غزّة أو ديار بئر السبع، ومُميزاتها الخاصة، والتي لم تكن تُعرف قطّ باسم "النّقب"
يُتابع الفصل السادس مسألة الخلافات والنزاعات الناتجة وقضيّة التوترات القضائية في بئر السبع، من أجل بَتّ تلك المُنازعات. وقد كان القرار العثماني في عدم إنشاء محكمة نظامية مدنية في بئر السبع على النحو الذي يقتضيه القانون، وذلك بذريعة وجود نظام مُلكية خاص في بئر السبع، وجهل المجتمعات المحلّية بقانون الدولة وإدارتها. لذلك، أذنت الإدارة العُثمانية للمجلس الإداري بالعمل كإطار قضائي أيضاً، وأذنت لأعضائه من الشيوخ المحليّين، بالعمل كقُضاة عن طريق تطبيق القانون والعادات المحلّية. مع ذلك، فإنّ ما بدأ كخطوة بسيطة وكمعروف باتجاه الاستقلالية القانونية، تفاقم بسرعة ليصبح تعقيداً فضائياً.
أما الفصل السابع والأخير، فيركّز على مسألتين رئيسَتين: الأُولى مسألة التحوّلات المركزية في منطقة بئر السبع منذ عشيّة الحرب العالمية الأُولى حتى عام 1948، والثانية تتمثّل في كيفية التغييرات القانونية والسياسية خلال الانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الصهيوني، عبر النّظر في إطار العلاقات العقارية وقانون الأراضي العثماني، والاستخدام الإسرائيلي للقانونَين العثماني والبريطاني لمُصادرة الأرض وتهويدها، ما أدّى، من ضمن تطوّرات أُخرى، إلى نموّ مسألة القرى المسلوبة في منطقة بئر السبع.