دانيل كورايا ميخيا.. في القرابة بين الماء والحُبّ

29 أكتوبر 2021
"هسهسات الليل"، زيت على قنّب، 110 × 160 سم، 2021
+ الخط -

في تاريخ الإنتاجات الإبداعية البشرية، لطالما احتلّت ثيمة الماء موقعاً أساسياً في حقول تمتدّ من الفلسفة إلى الشعر، حيث نُظر إليه، ضمن توافقٍ مع الطبيعة ومع حاجتنا الأساسية إليه، كأحد عناصر الوجود الأولى لدى الفلاسفة القدماء، من إغريقيين وعرب، في حين لم يتوانَ الشعر، ومعه اللغات، عن رفعه إلى أعلى مقامات الرمز، حيث يكفي ذكر الماء أمامنا لنفكّر بالطبيعيّ، بالشفّاف، والبسيط، والواضح، والضروريّ، والعذب.

وإن كانت البحار والمحيطات تشكّل إطاراً أساسياً في أعمال الكثير من التشكيليين الغربيين، كما هو الحال، على سبيل المثال، عند البريطاني جوزف مالورد ويليام تورنر، أو الفرنسي كلود مونيه، وغيرهما، فإنّ حضور الماء خارج هذه الطبيعية لا يبدو موضوعاً شاغلاً للفنانين، بعكس الشعراء وعلماء النفس الذين لطالما اعتبروه رمزاً لشيء آخر.

في معرضه "الحبّ والماء"، الذي يستضيفه "بابليك غاليري" بلندن حتى الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يقدّم الفنان الكولومبي الشاب دانيل كورّايا ميخيا (1986)، تنويعاتٍ على هذه العلاقة الرمزية بين الماء الحبّ، مذكّراً بالكتابات الأخيرة للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، الذي لطالما ربط الماء بعوالم الحسّية والحب والشعرية.

من المعرض
من المعرض

يبدو الحب، في عدد من الأعمال المعروضة، أشبه بظاهرةٍ مائية، ليس في بُعده الحسّي فحسب، بل في تدفّقه وحتّى في تداخله مع جسد الشخصية الأساسية التي تحضر في اللوحات، وهي شخصية شابّ صغير في العمر، تمنحه اللوحات لوناً أحمرَ قانياً، يمزجه الفنان الكولومبي بأزرق الماء الذي يغمره حيناً ويشكّل أفقه وعالمه، وحتى جزءاً من جسده في بعض الأحيان، حيناً آخر.

وحين تغيب هذه الشخصية من بعض اللوحات، فإنّ عناصرها، من تكوينات متذبذبة وملوّنة هي الأخرى بالأحمر، تحضر في أشجار أو مشاهد طبيعية يكون الماء محوراً لها، لكنّه ماءٌ يختلف عن ذاك "الطبيعي"، الحيادي، في البحار والمحيطات، حيث يظهر ضمن دوّامات متتالية، وفي بِرَكٍ تنبني ضمن قراءة شِعرية ونفسية أكثر من كونها تصويراً واقعياً.

يُظهر الفنان المقيم في برلين ميلاً خاصّاً إلى القنّب كمحمل لأعماله، حيث يرسم عليه بالزيت في أغلب لوحاته، ولا يبدو اختيار المادّة هذه بعيداً عن رؤيته إلى الموضوع الذي يتناوله، حيث يبدو سطح اللوحة، بتشرُّبه للّون وتغييره من التماعاته، وكأنّه جزءٌ من المقولات التي أراد  دانيل كورّايا ميخيا التعبير عنها.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون