خورخي راموس تولوسا: تاريخ القضية الفلسطينية للقارئ الإسباني

خورخي راموس تولوسا: تاريخ القضية الفلسطينية للقارئ الإسباني

21 ديسمبر 2023
وقفة تضامنية مع أطفال غزّة أمام البرلمان الإسباني بمدريد، 16 كانون الأول/ديسمبر (Getty)
+ الخط -

على الرغم من الأهمية الكبيرة التي اكتسبتها عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، لا سيّما في سياق العمل النضالي من أجل التحرّر من الاحتلال وتحرير الأرض، إلّا أنّها، ومن بين العديد من الأشياء، كشفت عن حاجة ماسّة لتطوير خطاب فلسطيني وعربي في الغرب والعالم عموماً، حول طبيعة نضال الإنسان الفلسطيني ضد الاحتلال، وحقيقة هذا النضال وتاريخه.

وفي ظل ما رأيناه واختبرناه في الشهرين الماضيين من هيمنة للخطاب الصهيوني على المنابر الإعلامية الأوروبية والأميركية؛ وهو خطاب حوّل الجلاد إلى ضحية، والمُقاوِم للمُحتل إلى "إرهابي"، إضافة إلى دفاع قسم كبير من المثقفين في الغرب عن حرب الإبادة بسبب تغلغل هذه السردية الصهيونية وغياب سرديّة فلسطينية وعربية قوية، يتبيّن للمتابع أن هناك غموضاً حول تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو العربي الصهيوني، إضافة إلى استيلاء وسائل الإعلام الصهيونية في الغرب على الخطاب الإعلامي والثقافي، مؤسسة بذلك لفكر الاستباحة، بوصفها مبدأً، ونظرية التسويغ باعتبارها منهجاً.

ضمن هذا السياق من حرب السرديات والخطابات، تكتسب الكتب التي تُنشر في الغرب وتتناول تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وتاريخ القضية الفلسطينية، أهمية خاصّة، لا سيمّا في ظلِّ ما يحدث في غزّة من حرب إبادة جماعية، تبررها بعض الأنظمة السياسية الأوروبية. وقد يكون كتاب "تاريخ معاصر للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، الصادر عن دار "كتاراتا" الإسبانية، لمؤلفه خورخي راموس تولوسا Jorge Ramos Tolosa، واحداً من هذه الكتب التي من شأنها أن تزيل الغبار الكثيف عن طبقات الغموض التي تشوب القضية الفلسطينية في الغرب.

يعرّف الصهيونية كحركة ضمن العمليات الاستعمارية الأوروبية 

يتعمّق راموس تولوسا تحديداً في هذا الغموض الذي يسود حول حقيقة القضية الفلسطينية، والذي يردّه إلى انتشار سردية تاريخية غير حقيقية تفرضها لوبيات صهيونية على وسائل الإعلام الغربية الرئيسية وواسعة الانتشار بسبب امتلاكها لرأس المال. من هنا تبدأ المعركة، كما يقول الكاتب والصحافي الإسباني في مقدمة كتابه "من انتشار سردية كاذبة تختلف جذرياً عمّا حدث على أرض الواقع. ومن هنا كانت الحاجة  تحديداً لسرد الأحداث الواقعية، أحداث التاريخ، ووضعها في سياقها الصحيح منذ بداية الاستيطان الصهيوني، نهاية القرن التاسع عشر، حتى عهد المجرم نتنياهو، وتبيان جملة حقائق استعمارية عن كيان احتلالي، كي يتكمن القارئ العادي من فهم تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وحقيقته".

الصورة
غلاف الكتاب

 
يتوقّف تولوسا عند محطات وأسماء رئيسية في تاريخ سرقة فلسطين مثل هرتزل، وبلفور، وسايكس بيكو، وبن غوريون، ومصطلحات النكبة، والنكسة، وغيرها من الأمور التي يشرحها عبر فصول الكتاب السبعة، وهي: الحقبة الأخيرة من فلسطين العثمانية ووصول المستوطنين الصهيونيين؛ الانتداب البريطاني على فلسطين؛ نكبة فلسطين وتأسيس إسرائيل؛ مخيمات اللجوء؛ حرب الستة أيام والاحتلال العسكري والاستعماري ونشوء المقاومة؛ الانتفاضة الأولى وأوسلو؛ من الانتفاضة الثانية إلى عهد نتنياهو. كل ذلك يعرضه الكاتب من وجهة نظر تاريخية موضوعية تقدّم الإنسان الفلسطيني بعيداً عن الكليشيهات، متناولاً تنظيمات المقاومة الفلسطينية ودَور المرأة الفلسطينية الهام في صمود الشعب الفلسطيني.

ما يثير الانتباه في هذا الكتاب هو جرأة الكاتب على تعرية الصهيونية وتعريفها، نظريّاً وعملياً، منذ ظهورها، كحركة داخل العمليات الاستعمارية الأوروبية المعاصرة، وهي جرأة قليلا ما نجدها عند لدى الكتّاب الأوروبيين، الذين استكان طيف واسع منهم إلى الترهيب الصهيوني وفزّاعة معاداة السامية كلما تعلّق الأمر بكشف جرائم إسرائيل وطبيعتها ككيان استعماري.

المساهمون