في الأوّل من رمضان، أعلنت رئاسة الوزراء الأردنية على منصّاتها الإلكترونية عن بدء تظاهرة "رمضانيات"، التي تتضمّن أنشطة وفعاليّات ثقافية وسياحية واجتماعية ورياضية متنوّعة في مدن المملكة خلال شهر الصوم، موضّحة في بيانها الصحافي عن استئناف طقوسٍ غابت لعامَيْن بسبب إجراءات وقائية فرضتها جائحة كورونا.
لم تكلّف الحكومة نفسها عناء التخطيط وإبلاغ المواطنين بتنظيمها فعالياتٍ رمضانية قبل بدء الشهر الفضيل ولو ببضعة أيام، كما لم تعلن برنامجاً تفصيلياً لجميع أيّامه، حيث يُنشر برنامجُ كلّ ليلةٍ في النهار، دون توضيح أسباب ذلك: إنْ كانت بدافع تشويق الجمهور أو أنّها تتعلّق بضعف التنظيم كما جرت العادة!
وعلاوة على ذلك، لم يعيّن البيان الحكومي - الذي جاء متأخّراً - موقعاً محدّداً للأنشطة المفترض إقامتها في العاصمة، واكتفى بالإشارة إلى أنها تعقد في "مدينة الحسين للشباب"، التي تصل مساحتها إلى أربعة آلاف وثمانمئة متر مربّع، وتضمّ نحو ستّة عشر فضاءً داخلها وأربع بوّابات رئيسية لدخول المركبات، ناهيك عن مثلها مخصّصة للمشاة، ما يجعل الوصول إلى مكان الحدث من الصعوبة بمكان.
يشارك شعراء لا يمكن تصنيف ما يكتبه بعضهم شعراً
ولا تعتبر هذه المدينة الرياضية المكان المناسب لاستقبال فعاليات رمضانية تنظّم من أجل استقطاب أكبر جمهور لها، وفق توجّهات المنظّمين، بالنظر إلى ازدحام المرور في الطرق المؤدّية لها، ولطبيعة المساحة المخصّصة لها، التي هي عبارة عن حديقة صغيرة نسبياً داخل المدينة، بينما توجد فضاءات مناسبة في عمّان مثل "المسرح الروماني" في وسط البلد أو "حدائق الحسين".
بعيداً عن الشكليات، فإن مضمون البرنامج الرمضاني الرسمي الذي أشرفت على تنسيقه خمس وزارات (هي: الثقافة، والشباب، والتنمية الاجتماعية، والسياحة والآثار، والاقتصاد الرقمي والريادة) يطرح تساؤلات حول فهم الحكومة للثقافة والفنّ اللذين تقترحهما على الناس، إذ يشارك شعراء لا يمكن تصنيف ما يكتبه بعضهم شعراً، بالإضافة إلى حفلات غنائية لفنّانين وفرق تنحصر مشاركتهم عادةً بالأغاني الشعبية أو بالطابع الوطني الحماسي، في تجاهل تامٍّ لعشرات الفرق التي ظهرت في الأردن خلال العقدين الأخيرين وتقدّم موسيقى حديثة أو تعيد إنتاج التراث برؤية عصرية.
يُضاف إلى ذلك عرض أعمال مسرحية وأنشطة ترفيهية للأطفال، لفرق هواةٍ، يغلب على معظمها العروض التجارية، التي يتمّ اللجوء إليها لانخفاض تكلفتها على المنظّمين وكذلك لانعدام الذائقة في أحيان أخرى، بدلاً من استقدام مسرحيات نفّذها مخرجون محترفون.
تجاهل تامّ لفرق تقدّم موسيقى حديثة أو تراثية برؤية عصرية
مسائل عديدة لا تهمّ الحكومة التي يشغلها فقط نشر تقارير صحافية صدرت في اليوم التالي لانطلاق "رمضانيات"، يؤكّد كتّابها على النجاح الكبير الذي حقّقته من خلال استقطاب الأُسرة الأردنية وإشاعة الفرح بين أفرادها، وإعادة إحياء العادات الرمضانية القديمة، من دون تبيان أيّ من الفعاليات المقدّمة تندرج ضمن هذه العادات.
لا تقدّم المؤسّسات الأهلية، التي لم تعلن عن برامجها بعد، شيئاً مختلفاً عمّا تقدّمه الثقافة الرسمية، إذ تقتصر النظرة إلى الثقافة في رمضان على أنها منتَج ترفيهي يعتمد الغناء والموسيقى والمسرح بصوره التقليدية إلى جانب معارض للخطّ العربي تستضيف فنّانين وخطّاطين هواة غالباً، فيما تغيب أيّة فعاليات جادة تتطلّب ذائقة جمالية بحدودها الدنيا!