قلّة هنّ المفكّرات المعاصرات ــ وخصوصاً من الأحياء ــ اللواتي يحظين بشعبية ومقروئية كتلك التي تتمتّع بها المفكّرة الأميركية جوديث بتلر، وهو ما يشهد عليه عدد أعمالها المنقولة إلى العربية، والذي لا يقلّ عن الستّة كتب، وهو رقمٌ يُضرب بثلاثة إذا ما تحدّثنا عن ترجمات كتبها إلى الفرنسية على سبيل المثال.
يمكن لهذه الترجمات العديدة أن تقول شيئاً عن اهتمام القرّاء بتجربة صاحبة "الذات تصفُ نفسها"، واهتمامهم، ربما، بهذه "الخلطة" الفكرية التي تميّز كتاباتها، والتي تسِمها بتميُّز موضوعاتها ــ من التنظير النسوي إلى النقد الأدبي والفلسفة ــ وتنوّع مصادرها ــ بين الفلسفة النقدية الألمانية والفرنسية، والفلسفات السياسية والأخلاقية الأنغلوساكسونية.
في كتابها الصادر بالفرنسية عن منشورات "أمستردام" في باريس، تحت عنوان "جوديث بتلر: العِرق، النوع والميلانخوليا"، تقدّم الباحثة حورية بن التهامي مقدّمة لدخول أعمال المفكّرة الأميركية، انطلاقاً من مفهومَي العرق والنوع اللذين يشكّلان خطّين أساسيّين في كتاباتها.
وإذا كانت بتلر قد خصّصت العديد من منشوراتها لمناقشة قضايا النوع، والجنسانية، والنسوية، فإنها لم تنشر كتاباً واحداً يدور بشكل كامل حول العِرق؛ إلا أن ذلك لا يمنع، بحسب المؤلفة، أن يكون لدى المفكّرة الأميركية "انشغالٌ بالعِرق"، وهي مسألةٌ غالباً ما تكون حاضرة بمسألة النوع، بحيث لا يمكن الفصل بينهما.
وتُشير الباحثة إلى أن العمليات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تقود إلى إنتاج الاختلاف السياسي، والهرمية بين الأنواع، تشكّل امتداداً لمنطق التمييز العرقي، حيث الفصل بين ذوات وأجساد مهيمِنة، وأُخرى هامشية يمكن الاستغناء عنها بوصفها تتّصف بقيمة أقلّ.
وتستعرض المؤلّفة ــ ضمن قراءة نقدية ومقارنة ــ مجمل التحليلات التي وضعتها بتلر حول الأدائية والمعيارية في المجتمعات متنوّعة الأعراق، وتأثير الأداء ــ بحسب لون البشرة، والنوع الجنسي، والطبقة الاجتماعية ــ على الواقع، وكذلك ما تسمّيه الباحثة "البارانويا البيضاء"، إضافة إلى تعليقاتها حول النظرات الحذرة إلى العائلات المؤلّفة من زوجين من لونَيْ بشرة مختلفين، واستعادتها لمفوم "السياسة الحيوية"، كما نظّر له ميشيل فوكو، لتفهم سياسات الحكومات المتعالية في التعامل مع العائلات والمجتمعات غير البيضاء.