حكيم حرب.. أحلام عمّانية في ليلة حظر

11 فبراير 2021
(من بروفات مسرحية "حلم ليلة حظر" للمخرج حكيم حرب)
+ الخط -

توّجه المخرج الأردني حكيم حرب (1966) منذ بداياته مطلع التسعينيات إلى نصوص من المسرح الغربي، وقدّم أعمالاً تنتمي إلى التراجيديا الغربية، ضمن رؤية تسعى إلى إسقاطها على الراهن العربي والإنساني، بأزماته المادية والوجودية، وقاده تجريبه المستمر إلى تكييف عروضه بما يتلاءم مع المتلقي العربي، سواء في شكل العرض أو مضمونه.

امتداداً لما اشتغله على مدار ثلاثة عقود في "فرقة مسرح الرحالة"، يبحث صاحب مسرحية "مأسأة المهلهل" عن صيغ جديدة لمسرحه التفاعلي عبر خروجه من صالات العرض التقليدية والذهاب نحو مسرح الحكواتي ومسرح الشارع، وغيرهما من الوسائط التي يرى أنها تشكّل استعادة للمسرح العربي في نشوئه على يد أبو خليل القباني ومارون نقاش.

"حلم ليلة حظر" عنوان عرضه المسرحي الجديد الذي يقدّم عند السادسة والنصف من مساء بعد غدٍ السبت على خشبة "مسرح الشمس" في عمّان، وهي نتاج ورشة تدريبية للهواة استمرت لثلاثة أشهر تضمّنت تمارين جسدية وذهنية ونفسية لإعداد ممثلٍ متمكن من أدواته ومطّلع على أحدث نظريات المسرح.

المسرحية  نتاج ورشة تدريبة للهواة استمرت لثلاثة أشهر تضمّنت تمارين جسدية وذهنية ونفسية

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول حرب إن هدفه من وراء إخراج المسرحية "أن يأتي الجمهور إلى المسرح ويحقق المتعة والبهجة، خاصةً بعد عام من الحظر والانتظار والخوف والضيق الذي عاشه الناس في ظل جائحة كورونا التي ألزمت الناس بيوتهم وعطّلت المدارس والجامعات، وأغلقت المسارح وأوقفت المهرجانات وحالت دون سفر أحد وحولت الحياة إلى سجن كبير".

يتابع: "لقد تأملت الحالة كثيراً، وأحسست حينها بأن الكرة الأرضية تحولت إلى مسرح دمى كبير، والبشر عرائس مقنعة ترتدي قفازات بيضاء، وأُسدِل الستار فجأة عن كل الحروب والنزاعات والصفقات والانتخابات والمهرجانات، وتعطلت المشاريع وتوقفت الطموحات وقصص الحب والأحلام، ولم يعد هنالك من بطولة أو نجومية أو سيادة أو عظمة أو احتلال، إلا لكائن لا تراه العين المجردة. فقلت بيني وبين نفسي: يا لمهزلة الحياة وتفاهة الإنسان! تُرى، من ذاك الذي يحرك خيوط الماريونيت بدهاءٍ وإتقان؟ ومتى تنتهي المسرحية لنعود فنتسلّى بقتل بعضنا لبعض من جديد، قتلاً أنيقاً ونظيفاً وحضارياً، مصدره فيروس موجود تاريخياً في القلوب والعقول، لا ينفع معه الهايجين وليس منه شفاء".

(حكيم حرب يوّجه فريقه أثناء البروفات)
(حكيم حرب يوجّه فريقه في أثناء البروفات)

من هنا، بدأ صاحب مسرحية "ميديا" يفكّر في حال المسرح، وأي نوع من المسرح سيحتاجه الناس بعد هذه الجائحة، واكتشف أنه كمسرحي يعيش في زمن كورونا عزلة فوق العزلة، متسائلاً:  "ألا يكفي المسرح ما يعانيه من عزلة! ووجدت أن المسرحيين أكثر الناس حصانة في زمن الكورونا؛ فقد اعتادوا العزلة، لأن المسرح أصلاً في عزلة تامة وقديمة عن الجمهور، ولهذا فالمسرحي آخر المتضررين من هذا الأمر".

ويرى أنه "في ظل حالة الخوف والرعب التي عاشتها الكرة الأرضية وارتفاع عدد الضحايا، شعرت بأنه تقع على المبدعين بشكل عام والمسرحيين بشكل خاص مسؤولية كبيرة للدفاع عن قيم الحياة والإنسانية والجمال، التي احتاجت البشرية لآلاف السنين في سبيل ترسيخها، وعلينا أن نعترف بأن الإنسانية اليوم جريحة، والحياة في خطر، ما يفرض علينا كبشر - على اختلاف وجهات نظرنا - التضامن والتفاؤل؛ لطرد شبح التشاؤم، وإشاعة الأمل بين الناس وتقديم أعمال فنية وأدبية ضمن هذا الإطار بعيداً عن الأعمال التي قد تزيد من غربة المسرح وتعمق إحساس الناس بالمأساة والخوف".

انطلاقاً من هذه المقاربة، بدأ حرب بإعداد نص حلم ليلة صيف لوليم شكسبير، تحت عنوان جديد هو "حلم ليلة حظر"، متأثراً بظروف الجائحة، وباحثاً عن مسرح جديد لا يعمّق الإحساس بالعزلة لدى البشر، بل يحقق لهم المتعة والبهجة اللتين افتقدهما طوال فترة الحظر الذي كان مفروضاً عليهم بسبب كورونا، وباحثاً أيضاً عن حل جذري لمشكلة نفور الجمهور وابتعاده عن المسرح الذي أصبح في الآونة الأخيرة مقتصراً على المهرجانات، وعلى المسرحيين أنفسهم الذين يتابع بعضهم عروض بعض، بينما الجمهور غائب أو مغيَّب، ما جعل مسرحنا العربي ينطبق عليه المثل القائل: "على بال مين يلي بترقص في العتمة".

(من بروفات العمل)
(من بروفات العمل)

وتوصّل إلى معالجة جديدة للنص الشكسبيري تجعله أقرب إلى الناس، بحيث أصبح العمل يحكي قصة سكان بناية يعيشون في العاصمة عمّان ويشعرون بالضجر بسبب الحظر المفروض عليهم نتيجة جائحة "كورونا"، فيبحثون عن حلول لدفع حالة السأم عنهم، فيقترح أحدهم أن يقوموا بتطيير الطائرات الورقية، ثم يلجأوا للغناء والرقص من شرفات منازلهم، إلى أن تقترح مخرجة تعيش في ذات البناية، أن يساعدوها في التمثيل في مسرحيتها "حلم ليلة صيف"، المطلوب عرضها خلال أيام قليلة، لكن الحظر حال دون متابعتها للتمارين المسرحية، ودون اللقاء بفريقها، الأمر الذي قد يسبب لها مشاكل، ما يدفع سكان العمارة للتمثيل معها بهدف مساعدتها، مشترطين عدم الالتزام الحرفي بالنص الشكسبيري، وعدم التحدث باللغة العربية الفصحى، بسبب عدم احترافهم لفن التمثيل، فتوافق المخرجة وتغيّر اسم المسرحية إلى "حلم ليلة حظر"، وتبدأ التمارين المسرحية فوق سطح البناية، مستعينين بكلّ ما لديهم من أدوات مطبخ لتكون بمثابة أكسسوارات مسرحية. فالطناجر من الممكن أن تصبح دروعاً، والملاعق سيوفاً، والكاسات والصحون أدوات إيقاعية تصلح للعزف. أما الأزياء، فهي مستمدة من الشراشف والستائر المنزلية. ونظراً للظروف الصعبة الراهنة، وعدم توافر عدد كافٍ من الإناث أو الذكور في البناية، فإنّ من الممكن أن يؤدي الذكور أدوار الإناث أو العكس".

يقول حرب: "تناولت موضوع كورونا بشكل لاذع ومتهكم، فأحداث المسرحية تكشف أن كل من يستنشق زهرة "الكورونا" ينقلب كيانه رأساً على عقب، فيتحول العشاق عن حبيباتهم، ويتبدل الرجال إلى نساء، والنساء إلى رجال، ويلهو الجان مع الإنس، فيحولون أحدهم إلى حمار تعشقه ملكة الجان، بينما فرقة "أبو الأحلام" تقوم بمسرحة الواقع، من خلال قصة حب "ظلام وعتمة" وموتهما القاسي والمضحك، التي يؤدي أدوارها كل من غفوة، شخير، كبوة، نعاس، سبات وقيلولة، وينوون تقديمها في حفل زفاف سيد وسيدة الحلم. وفي النهاية وبعد أن يتحقق لملك الجان ما أراد، يقرر وضع حد لهذه الملهاة العجيبة، فيوزع اللقاح ويعود كل شيء كما كان، ويتزوج كل عاشق بحبيبته: خيال تتزوج ليل، وسراب تتزوج وهم" وتقام الأفراح والليالي الملاح، وتتساءل سيدة الحلم: "شو هلمسرحية العجيبة هاي والله ما فهمنا منها اشي" فتأتيها الإجابة من سيد الحلم: "وطّي صوتك حبيبتي بلاش يحكو عنا متخلفين هدا اسمه مسرح ما بعد الدراما، يعني الجمهور بطلع مبسوط بس مش فاهم اشي" وهنا يتدخل أبو الأحلام ويضع حداً للاشتباك بقوله: "بلا مسرح دراما بلا مسرح ما بعد الدراما، اتركونا من هلحكي وخلونا نفرفش، شو قيمة المسرح إذا ما حققلنا المتعة والبهجة والخيال".

يختم حرب بالقول: "مسرحية حلم ليلة حظر افتتحت الحراك المسرحي لهذا العام بعمل شكسبيري منفتح على الثقافة العالمية وبذات الوقت له خصوصيته العربية وبيئته المحلية، التي تضمنتها الرؤية الإخراجية الجديدة للعمل والإعداد الجديد للنص العالمي، باحثاً عن مسرح جديد يتوخى البساطة في الطرح والمعالجة بعيداً عن الإغراق في الرمزية والغموض، وبذات الوقت بعيداً عن السطحية، وعلى قاعدة "ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة، ولا بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة سطحية، إن جوهر العملية الفنية يتمثل في أنه كيف من الممكن لنا أن نقول الأشياء العميقة بمنتهى البساطة".

يشارك في التمثيل كلّ من تامر العساف، وشام الدبس، ومأمون العوالي، وشهد البيطار، وفراس كنعان، ومجد عميرة، وفرح هاشم، وآدم أبو بلان، ونغم هاشم، وماسة أبو بلان، ومؤمن عميرة، وباولينا كلار، وديكور وأزياء: تيسير محمد علي، وتصميم وتنفيذ الإضاءة: ماهر جريان، وتقنيات صوتية: سيف الخلايلة، ومن إعداد وإخراج حكيم حرب.
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون