لم نكدْ نفرح بكتاب حسّان عبّاس الأخير حتّى غادرنا. كنّا ننتظر الحصول على نسخة من مؤلَّفه هذا، "الجسد في رواية الحرب السورية"، الذي صدر قبل أيّام تعدّ على الأصابع. بات علينا اليوم قراءة الكتاب في غياب صاحبه. رحلَ الباحث والمثقّف السوري اليوم الأحد، مبكّراً، عن 66 عاماً، في لحظة تعرف فيها سورية حاجةً ماسّة إلى عقولٍ مثله، تحملها وتنير لها الطريق.
لطالما عُرف حسّان عبّاس، في مجتمع المثقّفين السوريّين، كاسمٍ تدور في فلكه مشاريع ومساع ثقافية لا تكلّ. يشهد على هذا عمله في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى"، وقد استفاد فيه من مساحة من الحرّيّة النسبيّة في بلد مثل سورية لتنظيم العديد من اللقاءات والقراءات التي لم تكن لتروق للنظام السوري؛ وتأسيسه، بعد انطلاق الثورة، "الرابطة السورية للمواطنة" ومنشورات "بيت المواطن"، التي أصدرت عشرات العناوين في وقت قصير؛ وكذلك تأسيسه وإدارته لنوادٍ أدبية وسينمائية؛ وتدريسه في "المعهد العالي للفنون المسرحية"، ناهيك عن مشاركته في العديد من المشاريع الأخرى إلى جانب مثقّفين ومثقّفات من بلده أو من فرنسا.
ولا يبالغ المرء في القول إنّ عبّاس، في نشاطه وكتاباته، يعدّ أبرز المثقّفين السوريّين اشتغالاً على مسألة المواطنة، التي لم يغادرها طيلة مسيرته، منذ مشاركته في الكتاب الجماعي "أنا، أنت، هم" (2002) وإصداره "دليل المواطنة" (2004)، بالاشتراك مع الفنان أحمد معلا. وجاءت الثورة السورية، التي كان عبّاس من أوّل المثقفين السوريين دفاعاً عن مطالبها وداعماً فكرياً لها، لتضع مشروع المواطنة هذا في وسط اهتمام الراحل، حيث خصّص لها قسطاً كبيراً من مجهوده، ناشِراً وباحثاً مشاركاً في ندوات ومؤتمرات، ومنظّماً للقاءات.
إلى جانب هذين العملين، وقّع عبّاس العديد من المؤلّفات التي انشغل فيها، بشكل رئيسيّ، بالبحث في الثقافة السورية وتاريخها. من هذه الأعمال "الخارطة الثقافية لمنطقة وادي النصارى في سورية" (2010)، و"الموسيقى التقليدية في سوريا" (2018). وجاء كتابه الأخير، "الجسد في رواية الحرب السورية"، ليكلّل هذه المسيرة المنهمكة بمتابعة حاضر البلد، ليس ثقافياً وسياسياً فحسب، بل كتابياً أيضاً. ويشهد التقاطه لمسألة الجسد، ومحاولته دخول التاريخ السوري المعاصر انطلاقاً منها، على معرفته بدقائق هذه الحاضر السوري.
كما وقّع حسّان عبّاس عدداً من الترجمات من الفرنسية، من بينها: "ماكينة الإبصار" (2001) للكاتب الفرنسي بول فيريليو، و"المفكرون الجدد في الإسلام"، للباحث الفرنسي المغربي رشيد بن زين (2009).
في بلدة مصياف، غرب سورية، رأتْ عينا حسّان عبّاس النور للمرّة الأولى، عام 1955. حصل على إجازة في الأدب الفرنسي عام 1981 من جامعة دمشق، وشهادة دراساتٍ معمّقة في النقد الأدبي عام 1984، من جامعة "السوربون الجديدة" (أو "باريس الثالثة")، وهي الجامعة نفسها التي سيحصل منها على درجة الدكتوراه في المجال نفسه، عام 1992. بعد مسيرته الدراسية في فرنسا، عاد عبّاس إلى سورية، مشتغلاً في الحقل الثقافي والفكري، ولم يغادرها إلى بيروت إلّا مضطرّاً، بسبب قمع النظام.