تحت عنوان "سرديات الوجع في الرواية العراقية" (دار فضاءات)، يتناول الروائي والناقد حسين السكّاف، بالدراسة والتحليل النقدي، أكثر من خمسين رواية عراقية صدرت منذ الحصار وصولاً إلى الاجتياح الأميركي وسقوط بغداد عام 2003.
في المقدمة، يقول الباحث إنه يعرض روايات "تناولت الوضع العراقي بأغلب جوانبه وتقلباته السياسية والاجتماعية، وما طرأ عليه من متغيرات وأحداث كان لها تأثيرها المباشر على تغيير خارطة مجتمع عريق، كالمجتمع العراقي".
وبحسب السكّاف فإن الأعمال التي اختارها تُظهر بشكل جلي فكراً روائياً لكتّاب نستطيع أن نتلمس وعيهم الكامل بحجم الكارثة التي كانوا يعيشونها، وكأن شيئاً كان جاثماً على حريتهم وقدراتهم الإبداعية لسنوات طوال، قد أزيل بقدرة سحرية، لتنطلق الرواية العراقية بفورة هائلة ملفتة للأنظار.
يذكر صاحب "بين الشيخ والمريد"، أنه ومنذ سقوط التمثال، صدر عدد من الروايات العراقية قد يفوق أو يوازي بنسبة كبيرة، جل الناتج الروائي العراقي الصادر خلال القرن المنصرم. ويوضح أن عدداً لا يستهان به من الروائيين العراقيين قد أصدروا رواياتهم خارج العراق، ويقف وراء هذا أسباب كثيرة، منها افتقار المطابع العراقية للمواد الأولية بسبب الحرب والحصار، وقلة دور النشر هناك، بالإضافة إلى ضرورة التوزيع التي لا يجدها الروائي العراقي متيسرة في بلده، علاوة على إقامة عدد مهم من الروائيين في المنفى لسنوات طوال.
يعني السكّاف بـ "الوجع العراقي"؛ ألم "الحروب والموت والزنازين والخوف ومصادرة كرامة الإنسان خلال سنوات حكم الديكتاتور وما تلاها من تبعات فجائعية، الاحتلال، الإرهاب، الموت المجاني، الإحباط وتكسر أحلام المنفى على دكة الواقع المتناقض".
منذ سقوط التمثال، صدر عدد من الروايات العراقية يفوق ما صدر خلال القرن المنصرم
يرى المؤلف أن "الوجع" ليس عنوان ترف، أو زخرفة لغوية يراد منها تزيين عنوان الكتاب، بل هو أثر دامغ صار رمزاً للرواية العراقية، كونها تشكل أرشيفاً مهماً لبلد عرف الحروب والفواجع واعتاد شعبه على منظر الدم قرابة النصف قرن... وتلك حقيقة تطرحها أفكار ورؤى النصوص الروائية التي ظهرت بعد التغيير، حاملةً غضبها وآلامها ومكابداتها لسنوات طوال وهي تعيش تحت نير حكم كان يكمم الأفواه ويقمع الحريات بامتياز، حيث ظهرت بعض الروايات وكأنها تحاول منح الحياة مجدداً للضحايا، وتحاول أن تعيدهم إلى الحياة مرة أخرى ليحكوا لنا قصة موتهم.
يرى مؤلف الكتاب أن بعض الروايات العراقية التي ظهرت بعد التغيير، متلائمة في شحوبها وملامحها القاسية من ناحية، وصيحاتها ووحشتها المرَّة من ناحية أخرى مع شحوب ووحشية ومرارة واقع الفرد العراقي الذي ما يزال في بداية تعرّفه إلى هويته الوطنية الجديدة التي لم تتضح معالمها بعد، بفعل ضبابية الوضع العراقي الجديد، كما لم يتضح الدور الفاعل الذي على الفرد العراقي تجسيده داخل مجتمعه الجديد بأحداثه وتقلباته، إلا في وضوح دوره في لعب دور الضحية الذي أجاده بامتياز.
بعض الروايات، يقول السكّاف، ظهرت حاملة هماً بحثياً مهماً لا تنقصه الرؤية الواضحة، معتمدة فلسفة جديدة منفتحة وجذرية، تعتمد الابتعاد عن اللهاث خلف أشكال حكائية لا دور تاريخي لها، معتمدة على إيمان الروائيين بأن أهمية الرواية تكمن في الأفكار والرؤى المطروحة بدراية تامة وتقنية روائية عالية، وهذا ما جعل العديد من الروايات تتأرجح فلسفياً بين أسئلة الحيرة وأسئلة الإدراك، بين الواقع من جهة ومرارة إدراك غرائبيته ولا إنسانيته من جهة أخرى.
يقول السكّاف في مقدمته إن "الروايات العراقية حاولت وتحاول إعادة بناء مشاهد الماضي بطريقة الإدراك والبحث ووضوح الصورة من خلال المحاكاة والوثائق والشهادات عن طريق الأدب الروائي ليكون بحق ذاكرة شعب، وهذا ما دفعنا لبذل الجهود من أجل إكمال بحثنا هذا، من خلال عوالم الرواية العراقية التي أثبتت أنها الأرشيف الحقيقي لتاريخ شعب ظل يرزح تحت ظلم السلطات المتعاقبة لسنوات طوال".