كنا ثلاثةْ
وبين المُدن الرّثة والرملِ
وبين بُداةٍ يهبطون بآلاتهم
من رصاصِ الهواءِ
من الخرائبِ بين المنصّاتِ
قلتُ لكمْ أنْ دعوني هناكَ
على الشُرفةِ - الصخرةِ
من هناك الطُيورُ تراني
والغيومُ تسِفُّ
والثُغورُ تغيمُ
والموانئُ...
قلتُ لنمضِ معاً
أو دعوني...
سأصنعُ ظِلاً
من شراعٍ بين صخرتين
ثم يرفُّ مع الموج
يرفُّ مع الأفق المتمدّدِ
...
...
كلّما تنظرُ الليلَ
تأتي الغَرابةُ
كلما تنظر خلفكَ
ما ترى يترسّبُ بين نسيجِ الصّخرةِ
كنجومٍ
ككسورٍ
بهيئةِ محاراتٍ.
■ ■ ■
لا أحدَ يعرفني
ولا أعرفُ كم بقيتُ هنا
ولا أكترثُ...
والبيوتُ القليلةُ بعد البئرِ،
في أيلولَ عادت تميلُ عليها الجبالُ
وأسرابُ الغيم
(أشبّهها بالطيورِ كلّما أعجبتني)
لا أحدَ يعرفني
ولا أعرفُ كم بقيتُ هنا
احترفتُ الضوءَ لأن أحداً هنا قبلي
كان يحترفُ الضوءَ
...
...
لا أحد هنا
حَسبيَ هذه الزيزفوناتُ النحيلة
الحصباءُ أمامها، الحصباءُ خلفها
ترشُق الفضاء بالأخضر الفضيّ...
هكذا في آخرِ كلِّ ليلٍ
أصرِفُ ليلاً آخرَ خلا
أُرسلهُ إلى أهلهِ
بعيداً
عند مستودعٍ للّيالي القديمة
منذ دهرٍ وأنا هنا
لا شيءَ يبدو أليفاً سوى نجمةِ الصُبح.
■ ■ ■
حينَ نفرحُ ..
فلأنّنا كنّا هنا مرّةً قبل هذا...
أمام هذي الجبالِ البطيئةُ ظلالُها
عند هذي الجُرودِ المُثخَنةُ صخورُها
قبل أن تكونَ هذي المخازنُ
قبل مبنى المستشارينَ هناكَ
حين نفرحُ
فلأنّا تمدّدنا هناك على هذه الصخرةِ البيضاء
ــــ أو حين نختلفُ:
أين سنجلسُ
بَعد هذهِ الصخرةِ البيضاء
...
...
حين عُدنا، عُدنا لابتكار النار
عُودٌ يابسٌ مَبريّ
يُدارُ بسرعةٍ بين اليدينِ على حجرٍ منقور
بين هشيمِ عشبٍ
وقشورِ قِنّبٍ يابسة
...
...
حين عُدنا
الشمسُ على المصاطبِ مائلة في آذارَ
والسُنونواتُ
لوثةٌ حمراءُ قانيةٌ على أعناقها...
حَسبُ لوثةُ ريشٍ حمراءُ قانيةٌ على أعناقها.
* شاعر سوري مقيم في باريس