نشرت "اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ" ﻓﻲ "اﻟﻤﺠﻠﺲ العالمي ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﻢ واﻟﻤﻮاﻗﻊ" (إﯾﻜﻮﻣﻮس)، قبل أيام، بياناً حول العدوان الإسرائيلي على غزّة، تطرّقت فيه إلى جوانب من الخسائر البشرية والمادّية التي تعرّض لها القطاع منذ بدء العدوان وحتى مطلع السنة الجديدة، ومن بينها الخسائر التي طاولت التراث الحضاري في القطاع.
يؤكّد البيان أنّ القصف الإسرائيلي المركَّز على قطاع غزّة "لا يُميّز بين أهداف عسكرية ومدنية وتراث إنساني وثقافي"، مُشيراً إلى أنّه في خضمّ ذلك، تعرّض للهدم أو الضرر الكبير أكثرُ من 200 موقع من أصل 325 موقعاً مسجَّلاً في غزّة، وهي مواقع "ذات أهمية تاريخية ودينية وأثرية وطبيعية ووطنية وإنسانية عالمية".
وتُمثّل هذه الأرقام، وفق البيان، ما نسبتُه أكثر من ستّين في المئة من تراث غزّة الحضاري، الذي يشمل "تاريخاً طويلاً ومتنوّعاً، شهد مرور الكثير من الحضارات التي تعود إلى نهايات العصر الحجري الحديث؛ حيث تطوّرت الحياة في فلسطين ونشأت حضارة وادي غزّة، وخاصّة منطقة تلّ العجول؛ النواة الأُولى لبداية السكن في مدينة غزّة التي يُسمّى القطاع نسبةً إليها".
عدوان لا يُميّز بين أهداف عسكرية ومدنية وتراث إنساني وثقافي
ومن هذه المواقع والمعالم الأثرية البارزة التي تعرّضت للتدمير الكلّي أو الجزئي، والتي أوردها البيان: موقع تلّ العجول الذي يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ويقع على الضفّة الشمالية لوادي غزّة، وموقع المقبرة الرومانية الذي يعود إلى القرن الأوّل قبل الميلاد، وموقع تلّ أُمّ عامر، المعروف أيضاً بدير القدّيس هيلاريون، الذي يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وكان مرشَّحاً على لائحة "يونيسكو" للحماية المعزَّزة منذ كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، والموقع الأثري لكنيسة جباليا البيزنطية التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي.
ويورد البيان، أيضاً، عدداً من المعالم التاريخية الحيّة ذات التراث المعماري والأهميّة الدينية والاجتماعية التي تعرّضت للهدم والضرر، مثل "كنيسة بروفيريوس" التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي، و"الجامع العمري الكبير" الذي يعود إلى القرن السابع الميلادي، و"يندرج ضمن أهمّ المواقع الأثرية نظراً لجذوره التاريخية الممتدّة حتى القرن الأول قبل الميلاد".
ويتطرّق البيان إلى موقع "الأراضي الرطبة الساحلية في وادي غزّة"، الذي يُعدّ محمية ذات قيمة استثنائية عالمية غنيّة بالتنوّع البيولوجي، وهو موقع مرشَّح لقائمة التراث العالمي، حيث يذكر أنّه يتعرّض للتخريب بطرق عدّة، منها إجبار جيش الاحتلال السكّانَ في شمال القطاع على النزوح إلى جنوب الوادي ممّا يهدّد التوازن البيئي للمكان.
إضافةً إلى ما سبق، يذكر البيان تخريب المواقع الشاهدة على عمارة العصر المملوكي، من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر، مثل المساجد والقصور والأسواق التاريخية ذات القيمة الاجتماعية والاقتصادية، ومن ذلك "قصر الباشا" (1260م)، إضافة إلى "سوق القيسارية" (1329م) و"سوق الزاوية" اللذين يشكّلان امتداداً تاريخياً بعضهما لبعض، و"جامع ابن عثمان" (1394م) و"حمّام السمرة" (القرن الخامس عشر الميلادي)، الحمّام الأثري الوحيد الذي كان متبقّياً وفعّالاً حتى بداية الحرب. ومن مباني العصر العثماني التي تعرّضت للدمار والهدم، يذكر البيان "جامع السيّد هاشم" (1850)، ومن أوائل القرن العشرين "مبنى بلدية غزّة" القديم (1928).
وإلى جانب التراث الثقافي المعماري والنسيج العمراني والطبيعي، طاول الدمار تراث غزّة غير المادي؛ حيث تسبّب العدوان في تدمير معظم المتاحف وقتل العديد من الصحافيّين والمثقّفين والفنّانين ونسف مساهماتهم في التراث الثقافي والحياة الثقافية في غزّة، كما تسبّب في تحطيم العديد من المراكز الحيوية العاملة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وورشات الحرف اليدوية "التي تُعتبر حاملةً للمعارف والمهارات التراثية التي تشكّل جزءاً من الهوية الوطنية ومصدر الرزق الوحيد للعديد من سكّان غزّة".
يتطرّق البيان، أيضاً، إلى الضفّة الغربية؛ حيث يشير إلى أنّ مواقع التراث الفلسطينية المسجَّلة على قائمة التراث العالمي المهدَّد بالخطر تتعرَّض لاعتداءات ممنهَجة ومستمرّة من قِبل المستوطنين الإسرائيليّين المسلَّحين وبحماية جيش الاحتلال. ومن هذه المواقع: مدينة القدس القديمة وأسوارها؛ حيث اعتدى المستوطنون على ممتلكات سكّان الحي الأرمني تحت حماية جيش الاحتلال، وقرية بتير" في بيت لحم؛ حيث استولى المستوطنون على مساحة واسعة منها ووضعوا عليها بيوتاً متنقّلة، إضافةً إلى موقع بلدة الخليل القديمة والحرم الابراهيمي؛ حيث يعاني السكّان من إجراءات عسكرية مشدَّدة تُقيّد حرّية الحركة بالتزامن مع بدء الحرب على غزّة وتمنع أداء الصلاة في المسجد الإبراهيمي.
وبالحديث عن جرائم الاحتلال، يؤكّد البيان أنّ نية ارتكاب الإبادة الجماعية واضحة وتلقى تأييداً واسعاً من كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ضمن مخطّطهم المسمَّى "الحل النهائي"، والذي أُعدّ "للشعب الفلسطيني في محاولة لتصفية قضيته العادلة"، مُضيفاً أنّ القتل والتهجير المتعمَّد للسكّان حاملي وناقلي التراث الثقافي الإنساني بشقَّيه المادّي واللامادّي هو استهداف مباشر لكلّ أشكال الوجود.
ويعتبر البيان أنّ هذا التدمير المتعمَّد للتراث الثقافي الإنساني في غزّة والمثبت بالأدلة على الأرض، "جريمة حرب مكتملة الأركان وخرق واضح للمواثيق والاتفاقيات والقانون الدولي لحماية التراث، خاصة الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، واتفاقية لاهاي لسنة 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلّح، وإعلان اليونسكو العالمي لعام 2001".
وفي ختام بيانها دعت "المجموعة الإقليمية العربية" المجتمع الدولي والمنظّمات الدولية وكلّ المؤسسات الثقافية والتراثية والإنسانية والحقوقية إلى إدانة هذا الاعتداء المستمرّ، وحماية الإنسان والأرض والتراث الفلسطيني، والتحرّك السريع لاتخاذ التدابير الفورية لوقف الفظائع وعمليات إبادة التراث والحضارة والبيئة في فلسطين وخصوصاً غزّة، وتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة لضحايا هذا العدوان، وفرض عقوبات جادّة على الكيان الإسرائيلي ومن يدعم ممارساته الوحشية، ومقاطعة الشركات والمؤسسات التي تدعم هذا الكيان المحتل والمعتدي، وتوجيه بعثات علمية مشتركة لمعاينة وتقييم أضرار التراث الثقافي والمنشآت الثقافية والطبيعية، وتقديم المساعدة الفنّية والمادية وتدعيم الخبرات المحلية لتوثيق وترميم وتدعيم وإعادة تأهيل التراث الثقافي والممتلكات الثقافية.
يُذكَر أنّ "المجموعة العربية" في "اﻟﻤﺠﻠﺲ العالمي ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﻢ واﻟﻤﻮاﻗﻊ" (إﯾﻜﻮﻣﻮس) ومقرّه ضاحية شارنتون لو بونت الباريسية، تعمل، وفق ما تعرّف بنفسها، على "دعم التمثيل العربي وفاعليته في المنظمّة الدولية لصالح القضايا العربية في مجال التراث الثقافي، وخدمة قضايا التراث الثقافي في الوطن العربي بشكل عادل".