حداثة بلا ذاكرة

06 اغسطس 2021
تمثال للوركا في غرناطة
+ الخط -

تُشكّل الأندلس المفقودة، حسب الفهم العربي للفقدان، مهاد رؤية الشاعر الإسباني، ابن غرناطة، فيديريكو غارسيا لوركا، الشعرية. فهو يستعيدها أو يستنقذها، يتلمّسها في حزن مقيم في أغاني الغجر، وزوايا الأزقة القديمة، والخوف المقيم في الأنهار والآبار وغياض الزيتون، وبذلك يستنقذ ما يمكن أن يكون جوهر الأندلس الماثلة في ثقافته.

إذا التفتنا إلى جملة الأندلوسيات التي تضيع عادةً في الثقافة الشعرية العربية، ومنها تجربة "أندالوسيا" ذاتها (كما تُنطق في الإسبانية) تواجهنا مفارقة غريبة، فهي تجربة تحوّلَت إلى نسغ في شجرة الثقافة الإسبانية، واندثرت في الثقافة العربية، إلّا من استعادات للأندلس بوصفها فردوساً مفقوداً. ولا تتخطّى هذه الاستعادة التحسُّر على ضياع ملك أو مزرعة إلى ما هو أبقى؛ أي التحسُّر على ضياع تراث ثقافي/ حضاري.  

أليس غريباً أن يكون ورثة الأندلس وثقافتها أناسا من خارج دائرتنا الثقافية؟ أن تحيا الأندلس (أندلس الثقافة والحضارة) بالإضافة إلى ذلك في شعاب الثقافة الغربية، ولا نجد لها أثراً في نبض وإيقاع ثقافتنا؟

لوركا ليس إلّا مثلاً بالطبع على الكيفية التي يتعامل بها شاعر مع ماضيه بكل تنوّعاته وروافده، وهو تعامل أوسع وأعمق ممّا نتصوّر في ثقافة شعراء اللغات الأُخرى، التعامل مع الماضي كتجربة تُستعاد وتُعاش ويستخلص منها الشاعر ما هو أبدي، ولا يكتفي، كما يفعل العربي، بحمل أسماء أشبه باللافتات، ثم يتخرّج من مدرسة عصره حاملاً لافتة الحداثة، مزهوّاً بأنه بلا ذاكرة.


* شاعر وروائي وناقد من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون