حجرٌ يرثي حجراً

05 سبتمبر 2024
من أوابد طرابلس في ليبيا (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جبل نفوسة يعكس تاريخاً مليئاً بالألم والحروب، حيث تتشابك مشاهد شاعرية من الماضي والحاضر.
- النص يعبر عن مشاعر متناقضة من الشجن والأمل، مع تفاصيل يومية تحمل آثاراً من الماضي وأحزاناً عظيمة.
- يتناول النص فكرة الزمن والألم المتجذر في كل شيء، مع تأمل عميق في الحياة والموت، الفرح والحزن، والليل والنهار.

جبل نفوسة
يتشبّث بظلّ شمس تتعجّل في الرحيل
ماذا يفعل ذلك الرجل متّكئاً على حجر
عيناه مغمضتان
يداه مسبلتان فوق غبار
في ساحة عبرها جنود الروم والوندال؟

ماذا تفعل تلك الحمامة بريشها الأسود
تضع منقارها على بياض كثيف؟

لماذا الهواء ساكن؟
لماذا لا صوت ولا صدى؟

عنقود عنب على حجر،
شهوة استدارة حنظلة تحدّق في حمامة حمراء
لا يخدع سرابُها غير عابرٍ مسّه عطشٌ شديد
أو سِرب قطا لم ينم الليل

أنفاس القهوة الساخنة تعلو
تلمس أجنحة الصقور المعلّقة على الجدار
"كلّ واحدٍ يتبع خطاه" قال العجوز الجالس عند الباب
"كلّ واحدٍ يحمل قلبه على كفه" قالت صانعة الجبن
لكنّ الشمس التي دخلت من النافذة كانت تتبع
أثر غبار قديم
أثر أحزان عظيمة

■ 

هكذا يستريح الرجل منحنياً على حجر
في مقبرة في مدينة الآلام

هكذا يستريح الماء في كأس تترنّح على يد امرأة
في مقبرة في مدينة الآلام

هكذا يستريح الوقت في نهار يكاد يرحل
في مقبرة في مدينة الآلام

تعال، أسقيك كأساً مليئة بالشجن
هل تقدر روحك على حملها؟!
لو نظرتَ إلى أعلى الشجرة ترى
أين تولد النغمات والريحَ التي تحملها
لو نظرتَ إلى حيث ينبض قلبك ترى
خياماً ترتعش على وتر مشدود

هل ترى هذه المسامير على الجدار؟
كلّ واحدٍ منها صدى شهقةٍ أو رعشة روح
كلّ واحدٍ منها قلبٌ مكسور
يا لشقاء الناس،
يعلّقون قلوبهم على جدار!

من داخل القفص
ترنو الطيور إلى الجالس على حجر
الجالسُ على حجر
يرنو إلى ماء يسيل من أعلى الشارع
الشارعُ
يرنو إلى سماء عالية داكنة

أسىً مهيبٌ يفيض
على الضفّتين

■ 

مَن يسكن الحجر؟!
الليل والنهار يسكنان الحجر
مَن يؤنس الحجر؟!
كائنات البرّ والبحر
مَن يقتل الحجر؟!
يدٌ تقول أنا يد الله!

الحجر هذا الذي
يجلس ويقف
ينام ويطلق الصرخات
قد يكون بوّابة للنور
قد يكون بوابة للظلمات

إلى أين تذهب همهمات بائع السمك؟
لقد خطفتها أمواج البحر
ثم رمتها على رمل لا يعرفها
فنبتتْ أشجار عوسج ونخل وتفّاح
كلّما سقطت ثمرة،
تقلّبتْ موجة في بيتها

هل رأيت في حياتك حجرا يرثي حجرا؟!
لقد رأيتُ:
حجراً يقبّل حجراً
حجراً يذبح حجراً
حجراً يبيع حجراً
رأيتُ حجارة جُنّت
حجارة تغنّي في الأزقة والشوارع
نعم، لقد رأيت حجراً يرثي حجراً

ماذا تقول النخلة لزير الماء؟
أنت الشمس وأنا الظلّ
أنت الصوت وأنا صدى الصوت
أنت الجرح وأنا الطمأنينة
أنت الدائرة وأنا النقطة
أنت ما تريد وأنا ما أريد

لن تملّ المرأة من جلستها
لن يرجع السكّرُ إلى عنقود العنب
لن ترتعش اليدان تمدّان شهوات العشب على نهود الأرض

صورة الرجل في الإطار الخشبي قلقة
لا يعرف كيف يمدّ يده إلى يد هاتف قديم
كيف يقول الكلمات التي أثقلت قلبه بالأحزان

ساحة الشهداء مليئة
الموتى يقفون طوابير في أيديهم أعلام بيضاء
لقد غادرت السفينة المرفأ تدعّها الريح دعّاً
بابٌ يُفتح قبالة البحر
يدخل القمر وتدخل الناحبات
يدخل صانعو الأصفاد والمراجل
يدخل الخبّازون وقاطعو الطرق
يدخل الجبناء والعملاء
بابٌ وحيدٌ يُفتح قبالة البحر

ما كلام تأخذه من ساحة الغرباء؟
ألم تبع عنب الأمس وعنب اليوم؟!
هذه بعض طمأنينة تركها ميّت وراء الباب
خذها وامض ولا تلتفت!

مجازك ارتوى من رمل الصحراء
افتح له نافذة أو
اتركه يأخذ طريقه إلى
سرابٍ لا يشبه شيئاً!

هذه بوّابة لخيّالة الرئيس
هذه بوّابة لجند القائد
قفْ حيث أنتَ
حسبك حجر تحطّ عليه
أحلامك، حزنك، جوعك، وغفرانك

صخب وجلبة
لا شيء سوى صخب وجلبة
بيت يسكنه بائعو الخرز والعقيق

يتساقط المطر على سترة الشاعر
تقف الطيور على كتفي الشاعر
عزف ناي وصوت يصدح بالغناء الشجيّ
ينهض الشاعر يمشي على مهل
على مهل

اضطربت الأرض وانسابت الآلام
في عروق المدينة
كدرة صفحة السماء
كدرة صفحة الأرض
الكائنات تدخل التيه
واحدة
واحدة

أيّ قلبيك تريد يا رجل؟
ذاك الذي يفرح
بالحجر والمطر
بالرعد والبرق
بالليل والنهار
بقلادة عقيق في جيد صبيّة


* شاعر ومترجم من ليبيا

المساهمون