في عام 1947، مُنح جيمس بارنور كاميرا من مدير مدرسته وراح يلهو بها في التقاط صور للزهور أو أشخاص عابرين، ولم يدر أنه بعد مرور بضع سنوات سيفتتح أستوديو خاصّاً به في مدينة أكرا، بغانا، حيث قام بتصوير العديد من الشخصيات السياسية والرياضية المعروفة، ومن بينها أوّل رئيس لغانا بعد الاستقلال، كوامي نكروما.
في الأثناء اشتغل الفنان الغاني (1929) مصوّراً صحافياً في جريدة "ديلي غرافيك" التي تأسّست سنة 1950، ثم أصبح لاحقاً مراسلاً للعديد من الصحف الأفريقية والبريطانية، وقبل نهاية الخمسينيات سافر إلى لندن والتحق بـ"كلية ميدواي للفنون"، حيث أقام نحو عشر سنوات قبل أن يعود لتأسيس معمل لمعالجة الألوان في غانا.
حتى الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، يتواصل في "غاليري سربنتين" بالعاصمة البريطانية معرضه الاستعادي تحت عنوان "أكرا/ لندن – بأثر رجعي" الذي افتُتح في التاسع عشر من الشهر الماضي، ويضمّ أعمالاً تعكس التحوّلات التي عاشتها بلاده، خاصّة في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وكذلك تلك التي عاشها مجتمع المهاجرين الأفارقة في الغرب.
تُدرَس صور بارنور باعتبارها إحدى أبرز المرجعيات البصرية لمرحلة ما بعد الاستعمار في بلاده، حيث تناول خلالها تفاصيل حياة الغانيين وهم على أعتاب الاستقلال عن المستعمر البريطاني، ثم في المرحلة التي تلت ذلك حيث عانت البلاد عقوداً طويلة من الانقلابات العسكرية التي أثّرت على الحريات العامة وعلاقة الناس بالمكان والسلطة.
يعرض جانبٌ من الصور نضالات شعب ساحل الذهب ــ الاسم الذي عرفته غانا قبل استقلالها ــ والإضرابات والاحتجاجات التي سادت في الخمسينيات، مع انخراط الشباب الغاني في العمل السياسي الذي يقول بارنور في مقابلة صحافية سابقة إنه كان أمراً جديداً بالنسبة إليهم، حيث كان تصدّرت الموسيقى والرقص والغناء اهتماماتهم، والتي شكّلت موضوعاً بارزاً في أعماله أيضاً.
يظهر الأطفال في العديد من صوره، خاصّةً في أماكن لَعِبهم وفي الشارع، حيث تشكّل الحركة مفهوماً بارزاً في تجربته، في محاولة لتقديم مشاهد نابضة بالحياة، سواء في العمل أو في السوق أو في فضاءات الترفيه التي وثّقها في أكثر من أربعين ألف صورة.
أمّا الفترة الأولى التي عاشها في لندن، فتوضّح جانباً من حياة الأفارقة حين كانوا يتعرّضون خلالها إلى التمييز العنصري بسبب قوانين الكومنولث خلال الستينيات، وكيف استطاع العديد منهم أن يبرز في مجالات الفن والموضة والرياضة، كما بيّنتها أغلفة المجلات التي تحمل توقيع جميس بارنور آنذاك، بينما تُقدّم الفترة الثانية ــ حين عاد إلى بريطانيا في منتصف التسعينيات ــ تغيّراتٍ أكبر تمثّلت بنَيْل مجتمعات السود مزيداً من الحقوق بموازاة صعود اليمين الأوروبي.