"لا أنظُر إلى الأمور من ناحية الثقافة العالية والمتدنّية، ولا أُؤمن بوجود فنّ هابط، حتّى إنّني لا أُحبُّ هذا المصطلح لأنّه يُلمّح إلى التعالي على الأشخاص والأشياء، فأنا أؤمن بالتفاعُل والإعجاب بالأشياء"... هكذا يُعبّر الفنّان الأميركي جيف كونز (1955) عن مقاربته للفنّ الذي برز على ساحته في ثمانينيات القرن الماضي، وبات - منذ ذلك الحين - أحد أبرز الفنّانين المعاصِرين وأكثرهم تعقيداً، وهو الذي يَعتبر النقّادُ أنّه أدخلَ تغييرات جذريةً إلى عالم الفنّ في العقود الأربعة الماضية، من خلال ابتكاره طُرُقاً مختلفةً لإعداد الأعمال الفنّية وتوزيعها.
في معرضه "تائهٌ في أميركا"، الذي افتُتح في "غاليري الرواق - متاحف قطر" بالدوحة الأحدَ الماضي ويتواصل حتى نهاية آذار/ مارس المقبل، تَجتمعُ قرابةُ ستّين من أعماله التي تنتمي إلى مراحل مختلفة من تجرُبته خلال أربعين عاماً، وهي تتنوّع بين منحوتات ولوحات ذات أسطح عاكسة تلفُت الانتباه إلى مفاهيم التحوُّل الذاتي والصيرورة، ولوحات ومجسَّمات وأعمال تجهيزية منجزَة من مقتنيات الحياة اليومية والمواد الصناعية تطرحُ أسئلة عن الرغبة والنرجسية والذات والفرد والجماعة.
تتوزّع أعمالُ المعرض، الذي أشرف على إعداده القيّم الفنّي ماسيميليانو جيوني، ضمن 16 قاعة عرض يضمُّ كلٌّ منها نصّاً مِن كتابة كونز يُضيء على سيرته؛ بدءاً بطفولته في إحدى ضواحي بنسلفانيا، وانجذابه إلى الثقافة البصرية الأميركية والروابط العائلية وموضوعَي الذاكرة والهوية في بلدٍ يتناوله بوصفه "أميركا خيالية نرسم معالمها كما نريد باستخدام العواطف والمشاعر".
تحضرُ في المعرض مجموعةٌ من أبرز أعماله، من سلاسل متتابعة استغرقَ إكمالُ بعضها عدّة سنواتٍ، بينما لا يزالُ بعضُها الآخر مفتوحاً؛ مثل: "جديد" (1980 - 1987)، و"عادي" (1998)، و"احتفال "(1994 - )، و"باباي" (2002 - 2013)، و"عتائق" (2008 - ). ومِن بين تلك الأعمال: "أرنب" (1986)، و"كلب بالبالونات (برتقالي)" (1994 - 2000)، و"معجون اللعب" (1994 - 2014).
يجمع كونز، في أعماله تلك، بين عوالم فنّ البوب ومفهوم التبسيطية ومواضيع المنتجات الجاهزة، ليربط صلاتٍ بين الفن الطليعي والثقافة الشعبية، ويطرح أسئلةً عن دور الفنّان في عصر يشهد حالةً مفرطة من التواصُل، وعن حالة الهذيان التي تتّسم بها الحياة الأميركية.