جربة ولائحة اليونسكو: الإيكولوجيا ضدّ التراث

01 فبراير 2021
مسجد في جزيرة جربة (Getty)
+ الخط -

مع بداية السنة الجارية، عاد الحديث عن الاستعداد لتقديم ملف لإدراج جزيرة جربة التونسية ضمن لائحة اليونسكو للتراث العالمي، وهو ملف تسهر على إعداده مجموعة من المؤسسات الرسمية والمدنية مثل وزارة الثقافة، و"وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية"، و"المعهد الوطني للتراث"، و"جمعية صيانة جزيرة جربة"، إضافة إلى الهيئة التي كُلّفت منذ 2017 بمتابعة الملف.

لا يخفى أن تدعيم البعد السياحي للجزيرة يقف وراء هذا الحرص الرسمي، حيث مثّلت جربة منذ ثمانينيات القرن الماضي أحد أكثر المواقع التي جرى استثمارها في هذا الاتجاه. لكن هذا الاستثمار توجّه في الأساس إلى الرهان على الفنادق المطلة على البحر، وقلما جرى الانتباه إلى الخصوصيات الحضارية للجزيرة من هذه الزاوية السياحية.

ملفّ جربة لا يبدو أنه سيجد الطريق مفروشاً بالورود، وذلك ما يُفسّر تأخّر تقديم الملف إلى 2021، حيث إن الرهان السياحي يظلّ محدوداً وضمن مساحة ضيّقة للغاية (الشريط البحري)، فيما تظل الجزيرة وقراها تعاني من اهتراء بنيتها التحتية، إضافة إلى ما تشير إليه الكثير من التقارير عن التلوّث الإيكولوجي الذي تعاني منه كل منطقة الجنوب الشرقي التونسي، وهذه النقطة ستكون عنصراً قد يهدر كل الخصوصيات التراثية والجمالية للجزيرة. 

ليس بالمؤهلات التراثية وحدها يمكن دخول "لائحة التراث العالمي"

أمّا على مستوى نقاط القوّة التي يمكن للملف التونسي أن يعوّل عليها فهي التنوّع المعماري الذي نجده في أهم بلدات الجزيرة مثل: حومة السوق وأجيم وميدون وقلالة، وهو نابع من التنوّع العقائدي الذي عرفته جربة على مدى قرون، حيث تحضر فيها معالم من الأديان السماوية الثلاثة، كما توجد خصوصية تتعلّق بحضور المكوّن الإباضي في بناء المساجد ضمن رؤية معمارية متقشّفة لا تخلو من الجمال. 

هناك ورقة أُخرى يمكن الاعتماد عليها تتمثل في حضور جربة ضمن الأماكن المذكورة في الميثولوجيا الإغريقية، وخصوصاً ضمن "أوديسة" هوميروس، حيث ذكرها الشاعر اليوناني كمحطّة في رحلة عوليس وكانت له فيها مغامرات كثيرة.

هل تكفي هذه العناصر لإقناع لجنة اليونسكو بإدراج الجزيرة ضمن لائحة التراث العالمي؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه انطلاقاً من مكوّنات جربة وحدها، فضمن قوانين اللعبة التي تفضي إلى دخول اللائحة ينبغي أن تتوفّر أوراق أُخرى في الكواليس الإدارية لمنظّمة "اليونسكو" وقدرٌ من المؤهلات الدعائية التي كثيراً ما حسمت ملفات على حساب مرشّحين أكثر جدارة.

يُذكر أن تونس تحتوي اليوم على ثمانية مواقع مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي كان أوّلها المدينة العتيقة في تونس العاصمة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومثّل إدراجها منعطفاً في توجّهات الدولة إلى الرهان على الجاذبية السياحية كمحرّك اقتصادي أساسي، تلاها إدراج مواقع أخرى أبرزها: مدينة سوسة، والمسرح الروماني في الجم، والمدينة الأثرية في قرطاج، وكان آخر ملف نجحت تونس في إدراجه ضمن اللائحة هو الموقع الروماني دُقة (شمال غرب البلاد) قبل حوالي عقدين.

المساهمون