جان- بيير فيليو: من سورية إلى أوكرانيا إلى غزّة

01 فبراير 2024
جانب من المحاضرة
+ الخط -

"من سورية إلى غزّة مروراً بأوكرانيا" عنوان محاضَرة قدّمها الباحث والمؤرّخ الفرنسي جان- بيير فيليو صباح أوّل أمس الثلاثاء في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ضمن سلسلة جلسات تنظّمها "وحدة الدراسات الإستراتيجية" في المركز، وقدّمها الباحث عمر عاشور.

انطلق الباحث من "ضرورة إيضاح الخطّ الواصل بين الأزمات التي نعيشها"، مشيراً إلى أنّ "بنيامين نتنياهو لديه ثلاثة أسباب ليشعر بالامتنان اليوم لبشّار الأسد؛ أوّلاً، كون الأسد قد حافَظ منذ 2011 على حالة حماية لهدنة وقْف إطلاق النار بين إسرائيل وسورية، وهذا ما سمح باحتفاظ إسرائيل بهضبة الجولان؛ وثانياً لأنه دمّر إرث حلب المُمتدّ لألف سنة، وهو ما يفعله نتنياهو اليوم مع غزّة؛ وثالثاً لأنّ النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي وارتكب أفظع جريمة عام 2013، ثمّ أفلت من العِقاب، الأمر الذي أسّس سابقةً في مثل هذه الأفعال".

ولفت صاحب "غزّة: تاريخ" إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري كان ضامناً لإفلات الأسد من العِقاب، لأنه لم يُنفّذ ما هدَّد به من عُقوبات على تجاوُز ما يُسمّى الخطوط الحمراء، وتابَع: "فرْضُ عقوبات جماعيّة على مجموعة سكّانية كبيرة، ومَنْع الإعلام العالمي من تغطيتها، فضلاً عن استهداف صحافيّين بالقتل والخطف، مثل ما حدث مع ماري كولفين وآخرين استُهدفوا في حمص، كلّ هذا شهدته سورية. طبعاً إسرائيل لم تطرد الصحافيّين الأجانب من غزّة في الحرب الراهنة فقط، فالحصار طيلة 16 عاماً كان قد تكفّل ببعض هذا أيضاً".

يجري التخلّي عن غزّة مثلما خُذل السوريون خلال عقد كامل

واستذكر المؤرّخ الفرنسي ظاهرة "المواطن الصحافي"، التي بدأت مع الثورة السورية، "أولئك الذين كانوا يُخاطرون بأرواحهم ليُرسلوا للعالَم صُوراً عن المجازر الفظيعة. رأيتُ ذلك في حلب، حيث كنتُ هناك في صيف 2013، قبل وقت قصير من القصف الكيماوي في ريف دمشق"، مذكّراً هنا بناشطي التنسيقيات التي كانت الهيكل الأساس والقاعدة القويّة للثورة السورية، حيث لكلّ تنسيقية قِسمٌ إعلامي.

وقارن فيليو بين هؤلاء وبين من نراهُم اليوم من صحافيّين على أرض غزّة وكيف تُشكّك "إسرائيل" في سردياتهم، لكنّ الأهم برأيه، هو "المحافظة على حياة هؤلاء الصحافيّين. خصوصاً مع تجاوز أعداد من قُتل منهم المئة"، مؤكّداً أنّ مُعاناة الصحافيين لا تنفصل عن معاناة السكّان كلّهم، ومُشيراً إلى لجوء "إسرائيل" لأساليب المنع والتشهير بالصحافيّين، من خلال اتّهامهم بأنّهم سلفيّون وجهاديّون، واصفاً هذه الأساليب بـ"القمع المنهجي الذي سبق أن تعامل به النظام السوري مدعوماً من بوتين".

واستهجن الباحث الفرنسي انسياق الرئيس الأميركي جو بايدن لترويج أكذوبة قطع رؤوس أربعين طفلاً من قبل حركة حماس، مُعتبراً ذلك "إحدى محاولات شيطنة الفلسطينيّين من خلال إخراجهم عن نطاق الإنسانية، لكي يُسمح لإسرائيل بأن تتحرّر من قيود احترام القانون الإنساني والدولي". وهنا كان لا بدّ من ذِكر الرئيس الروسي: "فلاديمير بوتين المُخابراتي أعلمُ الناس بهذه التصرّفات. هذه هي ثقافته: اكذب اكذب، فكلَّما كبرت الكذبة تبقى في الوجود بشكل أقوى. هكذا برّر الغزو الشامل لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، مع العِلم أنّها بدأت قبل عشرة أعوام، من خلال احتلال وضمّ شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس".

الصورة
جان- بيير فيليو
جان- بيير فيليو

ونبّه أستاذ دراسات الشرق الأوسط في "معهد العلوم السياسية" بباريس إلى أنّ "المزاعم الروسية بأنّ المقاومة الأوكرانية ليست سوى حفنة من النازيّين، تُذكِّر بمقولة بتسلئيل سموتريتش (عضو "الكنيست" عن "البيت اليهودي")، بأنّه هناك مليونا نازي في الضفّة الغربية وغزّة، كما أنّ نتنياهو يتحدّث عن النازية كلّ يوم، وهذا ما فعله بوتين لنزع الشرعية عن المقاومة الأوكرانية باتّهام شقّيها العسكري والمدني بالنازية. وإن ظلّ واقع الحرب في أوكرانيا مختلفاً عمّا هو عليه في غزّة وسورية، حيث ما زال تحت أنظار الصحافة العالمية".

وختم فيليو بأنّه سبق له أن حاضر حول أوكرانيا في "المعهد الفرنسي" في غزّة، والذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي مؤخّراً، وقال إنّ الذين التقى بهم هناك أبدوا يأسهم بسبب أنّ لا أحد يتذكّر مأساتهم.. و"بالفعل، كما خُذل السوريون خلال عقد كامل من الكوابيس، يجري التخلّي عن الغزيّين اليوم".

المساهمون