ارتبطت الطائرات الورقية في اليايان، منذ ظهورها خلال القرن العاشر بدلالات دينية، حيث كانت تُطلق في احتفالات معابد الشنتو، بوصفها أداةً تصل الآلهة في السماء بالإنسان في الأرض، كذلك فقد أُرسِلَت كقرابين في أعياد الخصوبة، واستخدمها المقاتلون في حروبهم، حيث تروى عنهم العديد من القصص الأسطورية.
يعيد الفنان الياباني، المقيم في نيويورك، جاكوب هاشيموتو (1973) إنتاج هذه الطائرات بلغة وتقنيات معاصرة على امتداد عقدين، ويقدّمها إلى جانب أعمال أخرى في معرضه "في هذا الوقت والمكان" الذي افتتح في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في "غاليري رونشيني" بلندن، ويتواصل حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري.
يستخدم هاشيموتو من الأوراق مثل ورق الألياف الطبيعية، والحرير الصناعي، وورق الأرز التقليدي، وورق واشي والخرز، في صناعة طائراته التي ينفّذها في اليايان بسبب عدم ملائمة الورق المتوافر في الولايات المتحدة لتصميماته التي تحاكي بعضها زخارف اللباس التقليدي في بلاده (كيمونو) أو مشاهد ترتبط بتاريخ الأسرة في اليابان وقيمها المبنية على التراتبية الأبوية والارتباط الوثيق بين أفرادها وطقوسها.
ويتخذ وسائط متعدّدة للتعبير عن أفكاره، مثل الرسم والنحت والأعمال الإنشائية، التي يطرح من خلالها العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا، حيث تتضمّن بعض أعماله شجيرات تحمل مئات الكرات البيضاء المضاءة، في محاولة لإبراز هيمنة العالم الرقمي على الحياة اليومية التي يحياها الإنسان في القرن الحادي والعشرين.
خصوصية هاشيموتو تكمن في تجميع أنماط هندسية معقّدة من الأشكال الورقية التي تشكّل إنشاءاته التي تعلّق في سقف قاعة العرض أو تثبّت على جدرانه، بحيث تتراكم الأوراق ضمن طبقات كثيفة تتصل بجملة من الأحداث التاريخية أو التي يتفاعل معها الناس بشكل جماعي.
في المعرض الحالي، أُنشئ العديدُ من الأعمال الجديدة المستندة إلى الجدار في أثناء الإغلاقات التي فُرضت مع انتشار فيروس كورونا، حيث تشير بعض المقاطع إلى الخلايا البشرية المصابة بالأمراض الفيروسية، وكذلك رسومات هندسية لمرض الطاعون، والهيكل الخلوي للأشجار القديمة التي بدأ هاشيموتو برصدها خلال فترة الجائحة، إلى جانب تسجيل ملاحظاته عن النباتات التي كثيراً ما تظهر تمثّلاته في عددٍ من أعماله.
ويستند هاشيموتو في رؤيته أيضاً إلى كتاب "النافذة الافتراضية: من ألبيرتي إلى مايكروسوفت" (2006) للباحثة آن فريدبيرغ، حيث يتتبّع فكرة النافذة من عصر النهضة إلى المشهد الرقميّ الحاليّ، كأنه يرى تاريخ العالم بوصفه سلسلة من النوافذ المتداخلة.