جاء دورك يا كولومبس

19 أكتوبر 2020
منصة تمثال كولومبس بعد إزالته في المكسيك (Getty)
+ الخط -

يقابل تاريخ الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام ما يُعرف في البلدان الناطقة باللغة الإسبانية بـ"عيد الهيسبانيدا" Hispanida، وهو احتفال أخذ بعداً رسمياً مكرّساً لقرنين، باعتباره إشارة إلى هوية موحّدة تجمع شعوباً كثيرة التقت - بحسب الرواية الرسمية الإسبانية - يوم وصل كولومبس إلى القارة الجديدة نهاية القرن الخامس عشر.

"العيد" الذي كان حتى عقود قليلة ماضية يمرّ باعتباره عيداً وطنياً في بلدان مثل الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا، تحوّل إلى إشكالية مع صعود النزعة ما بعد كولونيالية في الفكر والأدب والفن أولاً، ثم جرت ترجمتها لاحقاً في تيارات سياسية وجماعات ضغط باتت تعلن بشكل واضح ضرورة إلغاء الاحتفال بـ"الهيسبانيدا"، لأنه إذا كان من زاوية أوروبية يوماً تجمّعت فيه ثقافات كثيرة تحت مظلّة واحدة، فإنه من زاوية أخرى مفتتح تاريخ دمويّ جرت فيه تصفية عرقية لعلّ التاريخ لم يشهد مثلها من قبل.

في هذا العام، جاء الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر أكثر صخباً من العادة، فقد التقت معه أصداء موجة التنديد بالعنصرية التي هزّت العالم منذ شهر بعد مقتل جورج فلويد، وكانت تلك الحادثة شرارة مراجعات كثيرة حول التاريخ الكولونيالي في القارة الأميركية. تجسّدت هذه المراجعات بشكل رمزي - في الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً - بهدم عدد من التماثيل التي تحتفي بشخصيات لها تاريخ ملوّث بالعنصرية والتمييز.

ما تعتبره السردية الإسبانية هوية مشتركة هو ذكرى لمجازر رهيبة

وقتها، بقي كريستوف كولومبس وتماثيله بعيداً بعض الشيء عن أيدي المتظاهرين، لكن الأمر يختلف في جنوب القارة، وها أن ذكرى "اكتشاف" العالم الجديد تجعله في دائرة الضوء لنشهد هذا العام - ضمن دعوات إلغاء الاحتفال بـ"الهيسبانيدا" في بلدان أميركا اللاتينية - تفكيك أحد تماثيل كولومبس في شارع رئيسي من العاصمة المكسيكية. وقد جرى في وقت سابق سحب تماثيل لـ"كونكيستادورس" (غزاة) كانوا يعتبرون إلى عقود سابقة آباء المكسيك.

تأتي هذه التحرّكات على مستويين اليوم، شعبيّ ورسمي، فالرئيس أندريس أوبرادور كان قد أعلن قبل أيام من "الهيسبانيدا" عن مطالبة بلاده لكل من الحكومة الإسبانية والفاتيكان بالاعتذار عن المجازر التي ارتكبت في البلاد خلال القرن السادس عشر باسم "الفتح الكاثوليكي".

أما في الولايات المتحدة الأميركية التي يحمل فيها تاريخ 12 أكتوبر اسم "كولومبس داي"، فقد تمّ كذلك إنزال تمثال لكولومبس في مدينة بالتيمور بشكل سلمي، فيما جرى إسقاط تمثالي الرئيسين الأميركيين السابقين أبراهام لينكولن وثيودور روزفلت بالسلاسل في بورتلاند. وللإشارة، جرى استغلال هذه الحادثة ضمن سباق الرئاسة الأميركي، إذ أعلن الرئيس ترامب أن منافسه بايدن يقف وراء هذه "الأعمال التخريبية"، في حين أنه من المعروف أن حركة إسقاط التماثيل لها سياقات مختلفة تماماً، ويعمل الناشطون ضمنها ضدّ سياسات المنظومة السياسية الأميركية بحزبيها القويين؛ الجمهوري والديمقراطي.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون