ثلّةٌ من الهمج

31 يوليو 2024
"أوقفوا تسليح إسرائيل"، مقابل مبنى البرلمان وسط لندن في 30 تموز/ يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكونغرس الأمريكي يصفق لنتنياهو، مجرم الحرب المدان، مما يعكس وحشية بعض الأنظمة الغربية وتجاوزها الحدود الأخلاقية.
- النائبة رشيدة طليب تجلس وحيدة في الكونغرس، رافعة لافتة تدين نتنياهو، مما يعكس الانحطاط العالمي وتمجيد القتلة على حساب الضحايا.
- إيلون ماسك وشخصيات بارزة يصفقون لنتنياهو، مما يبرز تأثير الدعاية الصهيونية في الغرب ويثير تساؤلات حول مصير البشرية.

ثلّةٌ من الهمج جرى اختيارهم بعنايةٍ فائقة تصفقُ لمجرمِ حربٍ أدانته أكبر محاكم العالم. ثلّةٌ من الهمج تقف عند كلِّ فاصلة، وأمام كل كذبةٍ وتصفّقُ طويلاً. ثلّةٌ من الهمج تتبرّكُ بكلماتِ مجرمِ حربٍ فاقت جرائمه وأكاذيبه وقذارته حدود أي أخلاقٍ ممكنة، يصفقون له، وبحرارة. وجوهٌ بيض، ووجوهٌ سودٌ تصفّقُ، وتصفّق، وكأنه آخر صنائع الآلهة. ويستأنسُ قلبُ نتنياهو الطافح بالشر والظلام والقتل والدمار، يستأنسُ بالوحوش وهم يباركون همجيتهُ وعنجهيّته والشر المطلق الذي ينطقُ به. ما هذا العالم؟ ما هذه الثقافات؟ هل أقول: تحيا طالبان! يحيا آكلو لحوم البشر! لقد فاقت وحشية بعض الأنظمة الغربية وعلى رأسها أميركا كلّ الوحشيات. 

قلَّ نظير أن نرى التاريخ يُصنعُ ويُلوّثُ بهذه الطريقة التافهة والحقيرة، هذه الطريقة التي يُمجّد فيها القاتل والمجرم نتنياهو من الكونغرس الأميركي، مُتبوّئاً عرش الإمبراطورية الأميركية بأبشع تجلياتها. إنه لشيءٍ أن نقرأ عن المغول وهم يدمرون بغداد ويقتلون أبناءها، أو عن الصليبيّين وهم يذبحون أهل القدس وغيرها من البلاد، وأنَّ نرى مشهداً لصانعي أفتك الأسلحة في تاريخ العالم وهم يصفّقون لقاتل ويعلونَ من شأنه وهو يغدقُ عليهم بالأكاذيب بأخسِّ الطرق. 

هناك اختلاف بين القراءة، ودرجة تصديق الأهوال وتأثيرها وتفاعلنا معها، وبين أن نرى القتل والدمار والعبث والإبادة ليل نهارٍ بالبث الحي، الذي ما إن ننتبهُ إليه حتى يصبح خبراً آخر أمام المجزرة التي تلته والدمار الذي حلَّ بعده. لو كانت للشاشات أذنٌ أو أعينٌ لماتت عجزاً وقهراً على ما يحدثُ لأهل فلسطين وغزّة وهم يُحشرون في مشاهد قياميّة في أماكنٍ صغيرة، ويُستهدفون بصواريخ ورصاص يزوّدهُ هؤلاء المشرِّعون الرعاع الذين يُصفّقون لنتنياهو، صانع المجازر وواجهتها الأقبح.   

تجلس النائبة رشيدة طليب وحيدة وترفعُ لافتة كُتبَ عليها "مجرم حرب" و"متهم بالإبادة"؛ تجلسُ محاطةً بكثيرٍ من العفن البشري الذي قلَّ نظيرهُ في التاريخ، عفنٌ مؤتمنٌ على سلامة البشريّة يصفّق لنتنياهو وهو يقسّم البشر إلى برابرة ومتحضّرين، ويضع نفسه وثلّة الهمج الذين يصفّقون له في مصاف المتحضرين. 

أي مجزرة ضدَّ اللغة والبلاغة، وأي حضيض يسمح بمثل هذه الحالة المروعة

وكذلك الجنود الذين يستعرضون ليل نهار بفيديوهات وحشيّتهم، وهم يفجرون آبار الماء، ويلاحقون شاحنات الإغاثة، والأطفال، هؤلاء أيضاً في مصاف المتحضرين. لقد قرأنا وسمعنا هذه الديباجة من مستعمرين آخرين قبل هؤلاء الهمج، لكنَّ الأمر لا يقلّ دوّياً عندما يُرى، وبهذه الطريقة التي فاقت كل فجاجة. 

بقي لنتنياهو أن يقول لهؤلاء الرعاع أنا ربّكم الأعلى، لتكتمل المهزلة ويشهدُ الخلقُ أن لا صوت يعلو على المجزرة! 
أي مجزرة ضدَّ اللغة والبلاغة، وأي حضيض هذا الذي يسمح بحالة مروعة مثل هذه. لم أعش في كنفِ عفنٍ بشري مطلقٍ كهذا لأعرفَ كيف يفكرُ هؤلاء الهمج.

يقف العقل البشري مذهولاً مصعوقاً من دناءة هذا العالَم الذي يشعلُ الكبريت في جماجم أطفال غزّة ونسائها ورجالها مدةِ عشرة أشهرٍ متواصلة من الدمار والتخريب، مصعوقاً من بُعدِ العلوم عن الفلسفة والتاريخ وعلم الأخلاق. فخالق "تسلا"، إيلون ماسك يصفّقُ معهم وهو ضيفُ شرف على خطاب التهريج والكذب النتنياهي المطلق. 

هذا من المفترض ليس إنساناً غبياً وجباناً وحقيراً لهذه الدرجة، فلقد قال أشياء تقترب من المعقولية والسلامة، على ثانويّتها، في بداية حرب الإبادة، مفادها أنَّ استهداف "إسرائيل" المدنيين في غزّة سيأتي بنتائج عكسية عليها، ثمَّ انقلب وأصبحَ ينطقُ بما تريدُ لها آلات الدعاية الصهيونية في أميركا والغرب من "معاداة السامية"، وإلى غيرها من معلبات الكذب والتضليل. 

تباً للعلوم الصلبة مثل الفيزياء والكمبيوتر وما يسمّى الذكاء الاصطناعي والهندسة العسكرية والكيمياء، إذا كان مصير البشرية سينتهي بيدِ هذه الثلّة من الهمج في الكونغرس الأميركي وإيلون ماسك وغيرهم، لينتهي الأمر بإبادة أهل غزّة ومحو فلسطين، لا سمح الله. تباً لها. ثلّةٌ من الهمج، ولكِ من لكِ يا غزّة الله.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

 

المساهمون