منذ تأليفه لكتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" (2013)، أصبح المفكر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي (1971) أحد أبرز المثقفين في زمننا، حتى أنه وُصف بـ"صاحب نوبل غير المتوّج" في إشارة إلى المشاريع الفكرية التي خاضها ضمن علم الاقتصاد تتجاوز معظم ما أنجزه حائزون على نوبل للاقتصاد، ناهيك عن أن شهرته تتجاوزهم.
كان مشروع "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" طموحاً للغاية فهو إعادة كتابة لعمل كارل ماركس بمفردات معاصرة وبتحيين كل المعطيات، ومن المعلوم أن تحليل انتقال رأس المال في القرن التاسع عشر يعدّ مهمّة هيّنة للغاية مقارنة برصد تحوّلاته في القرن لحادي والعشرين مع تطوّر الأنظمة المالية ودخول العديد من المدارس والمقاربات التي لم تكن موجودة زمن الفيلسوف الألماني.
في 2019، أصدر بيكيتي كتاباً ضخماً آخر بعنوان "رأس المال والأيديولوجيا" ليبدو كأنه اختار تكريس نفسه لمشاريع بحثية عملاقة مقارنة ببداياته التي كان فيها ينشر كتباً صغيرة الحجم أبرزها "اقتصاد اللامساواة" الذي يعدّ اجتراحاً لمجال بحث جديد في علم الاقتصاد.
منذ أيام، أصدر بيكيتي عملاً جديداً بعنوان "في الدفاع عن الاشتراكية" عن منشورات "سوي"، وهو عمل اختار فيه العودة إلى إصدر مؤلفات بسيطة تخاطب جميع الشرائح، حيث جمع فيه مقالاته من 2016 إلى هذا العام.
يوحي العنوان بانتماء سياسي لبيكيتي غير أن الأمر غير صحيح، إلا في حال افترضنا أن بيكيتي قد غيّر مبادئ الاشتراكية انطلاقاً من تأليفه لكتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين". يشير المفكر الفرنسي إلى هذه النقطة بشكل طريف في تقديم الكتاب، حيث يقول: "لو أنني في عام 1990 قيل لي أنني سأنشر كتاباً يدافع عن الاشتراكية سيكون الأمر بالنسبة إليّ عبارة عن مزحة، لكن مرور ثلاثة عقود أثبت لي أن الرأسمالية ذهبت أبعد بكثير من توقعات شاب في بداية العشرينات من عمره، وبالتالي فعليه أن يستعيد علبة الأدوات المضادة لها، لكن ينبغي أن تكون اشتركية أخرى تندمج فيها الكثير من الرؤى التي لم تخطر ببال المؤسسين، كاللامركزية والنسوية والإيكولوجيا".
في إحدى مقالاته الاخرى، يناقش بيكيتي إن كان من الممكن إعلان موت الاشتراكية، وهل أنه من الأصلح اليوم التفكير في بدائل لها، وهو تفكير يفضي به إلى إعلان صريح بأن الرأسمالية بلا مستقبل وبالتالي ينبغي التفكير بشجاعة في بدائلها، وإحداها هي الاشتراكية.