من الرائج القول بأن الجدران مثّلت محملاً بارزاً لخطاب الثورة في تونس عبر فن الغرافيتي، وتجلّى ذلك بوجود مجموعات ذات مشاريع بصرية ومضمونية لافتة؛ مثل "أهل الكهف" و"مولوتوف" و"زواولة".
رغم الاعتراف بالغرافيتي كظاهرة بقي دون معالجة بحثية، غير أن كتاب "نحوُ الشوارع" للباحث توفيق العلوي كسر هذه الجفوة منذ صدوره العام الماضي عن "دار محمد علي". منذ أيام، عاد العلوي إلى أفكار كتابه في فضاء "لاتيلييه" في مدينة سوسة التونسية من خلال لقاء جمعه بأعضاء "جمعية عشاق الكتب بسوسة".
يقول العلوي في تقديم كتابه: "كتاب 'نحوُ الشوارع' ألخّصه في كلمتين: هو اختصاصي من جهة أولى بالنحو، ومن جهة ثانية نشأتي وعيشي في منطقة شعبية، عنذ هذا التقاطع ولد الكتاب. وأنا الآن أشتغل على مشروع آخر في علاقة بالنحو والمجتمع، ففي نظري يستطيع كل منا أن يذهب باختصاصه إلى المجتمع".
يضيف: "إن ظاهرة دراسة لغة المجتمع هي ظاهرة قديمة. أذكر في ذلك كتاب الأصفهاني 'أدب الغرباء' في القرن الرابع، الذي جمع فيه الأبيات الشعرية التي يكتبها الغرباء على الجدران لعدم وجود أصدقاء في محيطهم. لذلك يجب ألا ننظر إلى هذه التدوينات بطريقة متعالية. فكتابي لم يوجد لكي يقول إن هذه التدوينة صحيحة أو خاطئة وفقاً لقواعد النحو. ما كان يعنيني هو سؤال لماذا كُتب بتلك الطريقة، وما الجامع بين هذه التدوينات".
يشير العلوي إلى نوعين من الغرافيتي: "الفانداليزم" أو التخريب، والغرافيتي الفني أو ذو البعد الجمالي. يقول: "اشتغلت على النوع الأول، ليس لأنني مخرّب ولكن لأن في هذا الممنوع يمكن أن تجد لك ما تكتب. تحليل الغرافيتي يقتضي ثقافة معينة وأنا أردت أن أبقى في مجالي، وهو المجال اللغوي اللساني. والتخريب هنا ليس بالمعنى اللغوي وإنما بمعنى الخروج عن الأطر القانونية المسموح بها. وهؤلاء المدونون لا يعترفون بالسلطة، وإنّما يعتبرون أن الشوارع ملك لهم فهي الفضاء الذي يعيشون فيه والفضاء الذي يكتبون فيه".
وحول تسمية الكتاب بـ"نحو الشوارع" يوضّح: "عندما بدأت في العمل، لم يكن لدي عنوان جاهز في ذهني. كنت قبلها قد قرأت عن تاريخ فن الشوارع بتشعباته، ولم أجد مصطلحاً يعبّر عن محتوى الكتاب، فقد أردت أن أدرس هذه التدوينات بمنظار علمي، وكلمة النحو هنا ليست بالمعنى القديم إنما بمعناها العام كطريقة لمعالجة الأشياء، لذلك اخترت عنوان نحو الشوارع، وعندما ترجمته إلى الفرنسيّة لم أترجمه حرفياً la grammaire de la rue، إنما أخذت من مصطلح الـgraffitti والـ grammaire وصنعت منهما مصطلح غرافمار".