ماذا تقول؟
أنا لا أسمعك
ماذا تقول؟
أنا لا أسمَعُك
هديرُ الطائرات الحربيّة لا يُطاق في هذه الأنحاء
تقول إنّك مُتّ
وليس هناك مَن يحزن على موتِك
أو يعتني بمراسيم العزاء؟
يجب أن توفّرَ أدلّةً قاطعةً على أنكّ ميّت
أَرسِلْ على "الواتساب" صورةً واضحة قدر الإمكان لأشلائك
سنتّأكد من أنّها أشلاؤك
من المهمّ أن لا ترتجف وأنت تأخذ صوراً لضحكاتِك المطفأة
ما هذا الحُلم السّائل من أصابعِك المحروقة؟
أهذا لحمُك؟
آسف، أنتَ تدّعي الموت إذن ونحن مضطرّون للتأكّد
ما اسمُك؟
لماذا لا تتكلّم؟
قلْ شيئاً
قلْ مثلاً إنّ حرّيتَك وهمٌ وهذيان
وإنّ قلبَك بدائيٌّ ومُعتِمٌ
قل إنّ إصرارَك على أن تصيرَ
هو فعلٌ طفوليٌّ لا تبريرَ له
الحقيقة أنّه لا توجد أدلّةٌ كافيةٌ على موتك
لأنه لا توجد أدلّة كافيّة على حياتِك
تقول إن كلامي يرعبُك؟
وإن صَمَمي هو الدّليل على موتِك؟
تقول إنّك ميّتٌ
لكن قلبَك حيّ وصوتَك حيّ وموتَك حيّ؟
وإنّك بريء؟
ولا شيء غير الحبّ والحرب
يمكنه أن يكسِرَ قلبَك؟
ماذا تقول؟
أنا لا أسمعك
هدير الطائرات الحربيّة مرّة أُخرى!
■ ■ ■
إسعاف نفسيّ أوّلي
تنفّسْ، يقول المعالِج النفسيّ
سأعلّمُك بعض الأدوات المُثبَتة علميّاً
للتّحايل على حُزنِك
كما بوسعي أنّ أدرِّبك على استخدام تقنيّاتٍ ناجعة
لكي تُذَوِّبَ قهرَك كما يجب
ولكي تروّضَ ألمَك كما يجب
تنفّسْ.
فكّرْ أنَّ الحربَ قذرةٌ وأنّ العالمَ جميلٌ،
وأنّك لا أحد.
تنفّسْ.
تخيّلْ، إنْ كُنتَ ما زلتَ تملِكُ خيالاً بعدما احتلّ الواقعُ كلَّ شيء،
مكاناً آمناً في غرفة نوم أو في غرفة علاجيّة
تأمّلْ في جحيمِك واصنعْ منه بيتاً يطلّ على السّهول الخضراء
لا تحلُمْ بالحرّية
فإن لذلك أعراضاً جانبية مزعجةً
كالموت والغضب والخِذلان
تنفّسْ.
نثورُ ببساطة لأنّنا لم نعد قادرين على التنفّس، يقول فرانتس فانون
تنفّسْ إذن.
كلّ ما في الأمر
أنّك ميّتٌ قليلاً
وكلّما تنفّسْتَ أكثر ستموتُ أكثر وأعمق وأهدأ
وسيكون العالم بخير.
* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين