يُحسب للمترجم والأكاديمي التركي محمد حقّي صوتشين وطلّابه في قسم اللغة العربية وآدابها بـ"جامعة غازي" في أنقرة، دورهم في تقديم العديد من الأسماء الأدبية العربية البارزة إلى المكتبة التركية، بعد أن اقتصرت الترجمة عن العربية في تركيا بعد مرحلة الجمهورية على كتب التراث الإسلامي. وإلى جانب الأسماء العربية المكرَّسة التي قدَّمها صوتشين خلال السنوات السابقة، مثل أدونيس ويحيى حقّي وغسان كنفاني ومحمود درويش، يُقدِّم أيضاً بعض الأسماء العربية المعاصرة. من بين هذه الأسماء، الروائية الفلسطينية عدنية شبلي (1974)، التي ترجم لها رواية "تفصيل ثانوي"، وصدرت عن دار نشر "جان" (2022).
حقّقت الترجمة التركية لرواية شبلي مقروئية عالية في تركيا، حيث صدرت في ثلاث طبعات، كما فازت في نيسان/ أبريل الماضي، بجائزة "أفضل ترجمة" لعام 2022، التي يمنحها ملحق الكِتاب لـ"صحيفة دنيا" التركية. وذُكِر في بيان لجنة تحكيم الجائزة أنّ شبلي في روايتها "طوَّرت أسلوباً جريئاً في السرد، وأنّها وصفت من خلال وجهتَيْ نظر سرديَّتين مختلفتين، الظلم الذي يحدث في فلسطين مع الجرائم التي تُرتكب بحق المرأة". كما نوَّهت اللجنة بمساهمات حقّي صوتشين في مجال ترجمة الأدب العربي إلى التركية، وقدّرته على الجمع بين الوسط الأكاديمي وعالم النشر.
ذهبت الجائزة للمرّة الأولى إلى عمل مُترجَم من الأدب العربي
اللافت للانتباه في هذه الجائزة أنها تذهب للمرة الأولى إلى عملٍ مُترجم من الأدب العربي، منذ أن تأسّست قبل ثمانية وعشرين عاماً. وقد أقام المنظّمون حفل تسليم الجوائز يوم الأربعاء الماضي، في "فندق سوفيتيل" بميدان تقسيم في إسطنبول، بحضور عدد كبير من الكُتّاب والنقّاد والمترجمين والصحافيّين الأتراك.
حول أهمية هذه الجائزة بالنسبة لوضع الأدب العربي في تركيا اليوم، يقول صوتشين في حديثه إلى "العربي الجديد" إنّ "ترجمة الأدب العربي بنوعية عالية من الجودة تعتبر قوّة ناعمة لكسر الجليد وإزالة الأحكام المسبقة التي ورثتها النُّخَب الثقافية والأيديولوجية للشعبين التركي والعربي"، مضيفاً: "بصفتي أكاديمياً متخصّصاً في اللغة العربية وآدابها، أنظر إلى ترجمة الآداب الأجنبية التي لها مقروئية عالية في تركيا نظرة الغبطة، وأتساءل: لماذا لا نقدّم - نحن بدورنا - إلى المكتبة التركية أبرز أعمال الأدب العربي من شعر ورواية وقصّة قصيرة وغيرها من الأنواع؟ وبعد ترجمات أساتذتنا وترجماتنا التي لحقتها، بدأ قارئ التركية ينتبه إلى الأعمال المترجمة من العربية إلى التركية وخاصّة في مجال الشعر العربي. ويسرّني أنّ النخبة الثقافية التركية بكلّ أطيافها قدّرت جهودنا، سواء من خلال المقالات التي نُشرت في الصحف والمجلّات التركية، أو عبر تشجيعنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي".
لم تكن هذه هي المرّة الأُولى التي يحصل فيها صوتشين على تكريم لترجماته من الأدب العربي. وفي هذا السياق، يقول: "قبْلَ تكريم ترجمة 'تفصيل ثانوي' هذا العام، سبق أن جرى تكريم ترجمتي لديوان "كتاب الحب" لنزار قباني باعتبارها أفضل ترجمة في عام 2016. كما أُدرجت ترجمتي لديوان "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" لمحمود درويش ضمن الكتب الـ11 الأولى في تركيا خلال العام نفسه. وبعد صدور ترجمتي لديوان 'كزهر اللوز أو أبعد' لمحمود درويش أعلن 'نادي القلم الدولي/ فرع تركيا'، محمود درويش 'كاتب الشهر' في آب/ أغسطس 2020، كما اختارت لجنة مكوّنة من 23 شاعراً وروائياً وقاصّاً ترجمتي للمعلّقات السبع إلى التركية ضمن أفضل خمسين كتاباً أدبياً مؤلفاً ومُتَرجَماً في تركيا خلال عام 2020".
ويتابع": "كلّ هذه التطوّرات تشير إلى أنّ قرّاء الأدب العربي في تركيا في ازدياد متواصل بفضل هذه الترجمات، فضلاً عن المحاضرات والحوارات التي تُجرى معي بمناسبة صدور هذه الترجمات. لكنّ هذا لا يكفي إذا أُخذ بعين الاعتبار الإنتاج الترجمي من الآداب الغربية وأميركا اللاتينية، ولا يزال أمامنا الكثير ممّا علينا أن نقوم به لسدّ الفراغ".
قرّاء الأدب العربي، والشعر خاصة، في تركيا في ازدياد متواصل
ونظراً للنجاح الذي حقّقته رواية "تفصيل ثانوي" في نسختها التركية، استضاف "بيت الأدب" في حيّ بيرا التاريخي بإسطنبول المؤلّفة والمترجم، بعد حفل تسليم جائزة "أفضل ترجمة" للحديث عن الرواية؛ حيث التقت شبلي بالقرّاء الأتراك للمرّة الأولى، وتنوّعت الأسئلة التي وُجِّهت إليها حول مسألة اختيار الزمنين اللذين كتبت فيهما الرواية، التي تتناول قصة شابة فلسطينية من النقب تتعرّض إلى حادثة اغتصاب على يد قائد كتيبة إسرائيلية عام 1949 ثم تُقتل بعد ذلك، لتأتي فتاة أُخرى وتحاول البحث عن تفاصيل تلك الجريمة بعد خمسين عاماً، كما تطرّقت الأسئلة إلى قضية حياة المرأة تحت الاحتلال والمصاعب التي تتعرّض إليها. وتحدثت شبلي أيضاً عن أنّ "تفصيل ثانوي" استغرقت منها 12 عاماً، مرجعةً ذلك إلى أنّها، خلال تلك السنوات، لم تكتف بالكتابة فقط، بل عملت على محو كلّ ما رأته زائداً عن الرواية، وتحريك وجهات نظر الشخصيات، حتى لو كان مجرّد سنتيمتر واحد.
جدير بالذكر أنّ "تفصيل ثانوي" تُرجمت إلى لغات عدّة، ووصلت، في ترجمتها الإنكليزية، إلى القائمة الطويلة في "جائزة مان بوكر الدولية" في لندن عام 2021، كما سبق لعدنية شبلي، التي تُقيم في برلين، أن حازت "جائزة عبد المحسن القطان" في دورتَي 2001 و2003، عن روايتيها "مساس" و"كلُّنا بعيد بذات المقدار عن الحب".
وأخيراً، من الجيّد، بالتأكيد، أن تنجح رواية عربية في الوصول إلى القارئ التركي، وأن يجري الاحتفاء بها مثلما حدث مع عمل الروائية الفلسطينية عدنية شبلي، لكننا نطمح مع حقّي صوتشين إلى زيادة الترجمات النوعية من الأدب العربي، كما هو الحال مع الأدب الغربي وأدب أميركا اللاتينية تحديداً، ونطمح أيضاً إلى ترجمة الأعمال العربية غير المترجمة إلى الإنكليزية والفرنسية، وأن تُترجَم هذه الأعمال لقيمتها الأدبية، دون انتظار اعتراف من الناشر الغربي بالكاتب العربي أو حصوله على إحدى الجوائز الغربية، وخصوصاً أنّ فرصة الاطّلاع على الأدب العربي المُترجم إلى التركية صارت أكبر، بعد ازدياد حركة الترجمة بين العربية والتركية في السنوات الأخيرة.