كثيراً ما نسمع حديثًا عن الانحدار، عن عالم كان أفضل ذات مرة، ربما قبل خمسين عامًا، ربما قبل قرون، ولكن بالتأكيد قبل أن تقود الحداثة هذا العالم إلى طريقها المريب، وبينما يندب البعض انزلاق الثقافة الغربية إلى النسبية والعدمية ويحتفل البعض الآخر بالاتجاه باعتباره نوعًا من التقدم المحرِّر، يدعونا المفكر الكندي تشارلز تايلر (1931) إلى مواجهة الأزمات الأخلاقية والسياسية في عصرنا، والاستفادة من تحديات الحداثة إلى أقصى حد.
في كتابه "أخلاقيات الأصالة" يناقش تايلر أنه وفي قلب الشعور بالضيق، يكمن مفهوم الأصالة وتحقيق الذات، هذه التي اعتبر كثير من المنظرين أنها قد تهمش تقليد القيم المشتركة والالتزام الاجتماعي، على الرغم من إدراك تايلر للمخاطر المرتبطة بدافع الحداثة نحو تحقيق الذات، إلا أنه خالف المتخوفين منها، ولم يكن سريعًا مثل الآخرين في رفضها، بل إنه يدعو إلى "تجميد التشاؤم الثقافي".
الكتاب تصدر ترجمته عن المركز الأكاديمي للأبحاث في كندا (تأسس عام 2010 بهدف ترجمة الدراسات ذات البعد الأكاديمي في مجال العلوم الإنسانية والفكرية من اللغات الغربية المختلفة إلى العربية)، أنجزها المترجم والأكاديمي أحمد عوّيز.
يناقش المؤلف الأفكار والأيديولوجيات من الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه إلى الكاتبة الأميركية غايل شيهي، ومن المفكر الأميركي آلان بلوم إلى الفرنسي ميشيل فوكو. وخلال ذلك يبدو وكأن الكاتب يقوم بفرز النافع من الضار في التربية الحديثة للذات الأصلية.
يحدد صاحب "وعكة الحداثة"، و"منابع الذات"، و"سياسة الاعتراف" الشبكة الكاملة من الفكر والأخلاق التي تربط سعينا لخلق الذات، ويوضح كيف يجب أن تتم مثل هذه الجهود مقابل مجموعة موجودة من القواعد أو شبكة من القياس الأخلاقي. بالنظر إلى هذه الشبكة، فإن انشغالاتنا الحديثة بالتعبير والحقوق وذاتية الفكر الإنساني تكشف عن نفسها كأصول وليست التزامات، وفقاً للمؤلف.
تايلر الأستاذ جامعة ماكجيل اشتهر بإسهاماته في الفلسفة السياسية، وفلسفة العلوم الاجتماعية، وتاريخ الفلسفة، كما قدم مساهمات في الفلسفة الأخلاقية ونظرية المعرفة والتأويل وعلم الجمال وفلسفة العقل.
يصدر له قريباً أيضاً عن مؤسسة ريم وعمر و دار جداول كتابه "عصر علماني" بترجمة نوفل الحاج لطيف، وصدر له سابقاً عن سلسلة "ترجمان" التي ينشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "المتخيلات الاجتماعية الحديثة" بترجمة الحارث النبهان.