عندما وضع العالِم والجغرافي أبو يحيى زكريا القزويني (605 - 682 للهجرة)، كتابَه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات"، في القرن السابع الهجري، لم يكُن يُطلِق مقولة سحرية عن أوصاف الأبراج والسماء والأكوان، بل كان أيضاً يُقيم نظرة مُستمدَّة من تصوُّر فلسفي عن الوجود الإنساني، وأيّ شراكة تجمعه مع باقي المخلوقات.
وعبر التاريخ، تمّ الاهتمام بهذا المؤلَّف، سواء من قِبَل العُلماء والفلاسفة المُسلمين اللّاحقين، أو المُستشرقين والأكاديميا الغربية في العصور الأحدث. ومؤخّراً تناوله الباحث ترافس زاده في كتابه الصادر عن "منشورات جامعة هارفارد"، بعنوان "عجائب ونوادر: الكتاب الرائع الذي ارتحل حول العالم ورسَمَ خريطة الكون".
ينطلق الباحث من كون ثنائية العجيب والغريب، التي اعتمدها القزويني، تخطُّ رؤية العالم، بقدر ما تُعيد هيكلَة المعرفة، ومن هنا جاء شيوعها في مناحٍ عِلمية متعدّدة ظلّت سائدة حتى وقت قريب، قبل أن تفرض الحداثة قيماً جديدة، تفصل فيها بين الدِّين من جهة، والعِلم من جهة ثانية.
يقدّم الكتاب سرداً شاملاً عن السياق السياسي والاجتماعي والفكري، الذي وُضع فيه "عجائب المخلوقات". حيث يتتبّع الشبكات العلمية التي أثّرت بالمؤلّف، ويُضيء الحياة الثقافية في الحواضر الإسلامية مثل بغداد والموصل، وما كان يدور فيها من أفكار في الفلسفة والعلوم الطبيعية وعلم الكلام والفقه، كما يُشير إلى طُرق نظام التدريس مع ظهور "المدرسة"، بوصفها نظاماً موكلاً به نشْرُ المعرفة وتثقيف العلماء.
وإذا كانت تأثيرات فلاسفة مسلمين بارزين مثل ابن سينا، وأبي بكر الرازي، والغزالي، واضحة في الكتاب، فإنّ خلفيةً عُمومية، إنْ جاز القول، كالأفكار التي سادت في الحقبة الهلنستية - اليونانية، تبدو مؤثِّرة أيضاً في العمل، حسب زاده، وهذه تسرّبت من خلال الترجمة، وشكّلت رافداً قويّاً في الرؤية التي أقامها الكتاب عن الكون والموجودات فيه.
كذلك يتطرّق الباحث إلى مآلات "عجائب المخلوقات" في السياق العثماني، حيث اعتُمد أولاً كمصدر جغرافي، قبل أن يتم تكييفه وتطويره مع جملة أفكار بدأت تروج إثر الاكتشافات الجغرافية الجديدة.