تذكُّر الأمل المقاتل

22 فبراير 2022
من أجل أن يروا كيف غدر الزمن بصواب شِعرهم القديم (Getty)
+ الخط -

ذاكرتك ذاكرة الماء؟ هل هو مرض يتبع علم البيئة الاجتماعية؟
المصادر في هذا هو: المدّ المناخي، وغباش الصورة.
الماء لا يهدر، ولا ينبثق، ولا يغرق في وظائف غير مجدية. جشع الشركات وشركات الكهرباء والرؤساء السياسيين لمجالس إداراتها.

ربما كان عمرك ست سنوات، حين شعرت بأول إحساس طبقي. يوم أرسلوك إلى أول المدرسة، حافياً، بلا زنوبة. وربما كان عمرك سبع سنوات، حين تجرأتَ على السماء.

ولأن أختك ولدت بعدك بثلاث سنوات، وأصيبت بكساح مبكر، عرفت وضعكَ تماما بين فقراء المخيم.
يتامى بلا أب وبصفر مصادر مساعدة.

أفكارك المشاعية التي أتت فيما بعد، لم تولد حينها.
وكان مرفأ الشيوعيين هو أولى تلك الخطوات في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم. اهتديتَ لقبيلة ماركس بالغريزة قبل الوعي. الثمانينيات والتسعينيات شهدت نشاطك النضالي والشعري في آن. وفي مخيمك، وما حوله، عبر المدينة، غير مرّة رأيت شِعرك، خلال الانتفاضة الأولى، مكتوباً على الجدران. وكنت تعرف صعوبة وخطورة ذلك، لأن من يكتب معرّض للطخ من قبل جيش العدو ومخابراته.

ذاكرتك حينها كانت من حديد مطاوع. لا لم تكن جوفاء بيضاء، في وسط نضال شعب بكامله، يقف على قلب رجل واحد. كانوا لكم بالمرصاد، بعدما كنتم لهم بالمرصاد.

ووقتها كان ربيع المقولة: "تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة".
وفي عموم الوطن المجروح، لم يكن هناك ميكروكروم ولا حتى في أحايين، ماء.
تتذكر: لا أقل من عشرة شهداء كانوا لك أصدقاء وأبناء مخيم، يجمعكم الفقر وتحرير البلد وتفرقكم مطاردات جيش الاحتلال.
حوض الاستحمام نصف الممتلئ حيث لن يغتسل أحد، وبعد بضع ساعات، لم تنجح الصنابير في الضخ.

ربما كان ذلك في نفس الوقت تقريبًا الذي تعلمت فيه كلمة: "المستحيل هو وهم".
وإنها لذكرى معناها: لتواصلْ يا شعبي.
هيكل قرفصاء يطفو عالياً على السطح ولا يمكن رؤيته إلا من السقف المسطح.

ولقد كانت نادرة تلك الهزائم آكلة الذات من الداخل مثل سوسة الورق.
وكان لا بد من الحفاظ على الأمل المقاتل بأي ثمن.
وكله من أجل ماذا؟
لكي يأتي اللصوص في ما بعد، ويركبون على أكتافكم ويدلدلون أرجلهم؟

أيها القلب ردد: يا صاح، هنالك، في غربة الوطن الشديدة، نظّف ماء النهر مثلما ينظفون نجمة الصباح، حتى ولو لم تر نجمة ولا نجماً. بل هو الفحم شائع وقار في غير الجهات الأربع، كذلك.

في الستين، ووجهك صار متشققًا مثل تربة الوطن الأغلى. أما القلب، تصحّر وتحوّل إلى أخاديد مثل جلد أجدادك القديم.
لماذا تكذب الأغاني، كل مرة، اليوم، بينما زمان، كانت تكذب بوتيرة ضعيفة؟

هل كان بإمكانك أن تسألهم، أولئك الشعراء العائدون من تغريبات من أجل أن يروا كيف غدر الزمن بصواب شِعرهم القديم؟

 

* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون