تاو دوفور.. تنويع فوتوغرافي على فلسفة هوسرل

04 مارس 2022
من المعرض
+ الخط -

تمثّل كتابات الفيلسوف النمساوي إدموند هوسرل (1859 - 1938) واحدةً من المراجع الأساسية للنقاشات في الفلسفة المعاصرة حول مسألة المكان، أو الحيّز المساحيّ، حيث اقترح صاحب "الأبحاث المنطقية" نظرةً جديدة - فينومينولوجية (أو ظاهراتية) - إلى المكان تقطع مع التصوّرات الديكارتية والكانطية التي بقيت متأثّرةً بالمقولات الفيزيائية حوله؛ وهو ما جعل من أعماله منبعاً خصباً للعديد من النظريات اللاحقة حول المكان والمساحة، خصوصاً تلك التي قدّمها الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو بونتي (1908 - 1961).

فبعكس كانط، على سبيل المثال، الذي يرى أن مفهوم المكان سابق على التجربة البشرية، بل هو شرطٌ لإمكانيّتها، إلى جانب الزمان، جاء هوسرل ليقول بأن الذات هي التي تشكّل المكان بوصفه مكاناً، أي بوصفه فضاءً للتجربة وإدراك الأشياء، وليس فقط كمجرّد امتدادٍ فيزيائي؛ منبّهاً إلى دور الجسد، بوصفه حضوراً مساحياً ومكانياً، في هذه العملية؛ فيما بقي دور الجسد في هذا السياق غير مطروحٍ لدى كانط.

ومن الطريف أن نرى اليوم أن كتابات هوسرل عن المكان لم تؤثّر في البحث الفلسفي الكتابي فحسب، بل وكذلك في الصورة، ومن ذلك معرض "هوسّرل والمكانيّة: إثنوغرافيا ظاهراتيّة للمكان" للباحث تاو دوفور، الذي تحتضنه منذ الثامن من شباط/ فبراير الماضي مؤسّسة "كوبر يونيون" للتعليم العالي في نيويورك.

الصورة
من المعرض
من المعرض

يضمّ المعرض صوراً بالأسود والأبيض التقطها تاو دوفور في مدينة ساو سالفادور البرازيلية خلال عمله على بحثٍ يصدر بالعنوان نفسه هذه الأيام لدى منشورات "روتليدج"؛ وكما في بحثه الكِتابيّ، يحاول دوفور في صوره فهْم النحو الذي تعيش أجسادُنا المكانَ من خلاله، استناداً إلى مقولات هوسرل حول انصهار الجسد في المُحيط المكاني بوصه تفصيلاً منه، أو بوصفه مصنوعاً من قماشته نفسها، كما سيقول ميرلو بونتي في تحليله للمكان عند هوسرل.

يميل الباحث والفنان الفوتوغرافي إلى تعقّب معنى المكان في التجربة لا في سكونه الفيزيائي، بل باعتباره مسرحاً للحركة وللعلاقات المتبادلة بين البشر، أو ما يسمّيه هوسرل العلاقة البين-ذاتية، ومن هنا يأتي تركيزه على حركات الأيدي الحاضرة في أكثر صوره، إن كان لتلقّف الأشياء أو لتناولها، أو للإشارة إليها، أو للإيماء بين الأشخاص. لكنّ هذا لا يمنعه من الإصغاء إلى المكان بعيداً عن الحضور البشريّ، المباشر منه على الأقل، حيث يلتقط صوراً لنباتاتٍ وطاولات وجدران وشموع، وهي في الأغلب صور مركّبة من عدّة طبقات، في إشارة نقدية ربّما إلى الفكرة الفلسفة الكلاسيكية عن المكان بوصفه مسطّحاً، لا بوصفه عُمقاً للتجربة.

المساهمون