إذا كانت شخصية غودو قد ارتبطت في المخيال الجمعي بذاك الذي تنتظره ولا يجيء، فإن "جائزة بوكر"، أو "الجائزة العالمية للرواية العربية"، تُعطي المثال المعاكِس تماماً: ذاك الذي لا تنتظره، أو لا تحفل بمجيئه على الأقلّ، لكنّه في كلّ مرّة يأتي، بل إنه قد يأتي أبكر من موعد مجيئه المحدّد. موعد المجيء المُعتاد هو هذا الذي يحدّده منظّمو الجائزة، كلّ عام، على موقعها الإلكتروني. في هذا العام على سبيل المثال، يُخبرنا الموقع، تحت خانة "مواعيد مهمّة" التي تظهر لنا على صفحته الرئيسية، أنّ تاريخ الإعلان عن القائمة الطويلة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة في نسختها لهذا العام هو "26 يناير"، في حين من المقرّر أن تُعلَن قائمتها القصيرة في 22 آذار/ مارس، والرواية الفائزة في 22 أيار/ مايو.
غير أن القائمين على الجائزة لم يطيقوا صبراً حتى اليوم للإعلان عن المرشحين لنيلها، كما يبدو، فخرجوا الثلاثاء الماضي بالأسماء التي تتألّف منها القائمة الطويلة، وعددها ستّة عشر. هل الأمر محضُ صدفة، أم مجرّدُ انقطاع صبر؟ بالتأكيد لا هذا ولا ذاك. فالقصّة تتكرّر، هنا، للعام الثاني على التوالي.
ذلك أن العام الماضي شهد أيضاً تأجيل إعلان القائمة الطويلة في الساعات الأخيرة، ليُصبح في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2022 بدلاً من من الرابع والعشرين منه، كما كان مُعلَناً. حينها، لم يذكر المنظّمون سبباً للتأجيل، اللهمّ إلّا من خلال إحالتهم، عبر بوست نشروه في الخامس والعشرين من الشهر نفسه على صفحة الجائزة في فيسبوك، إلى "ضرورة تأجيل الإعلان إلى يوم الأربعاء 26 يناير". ضرورة التأجيل حينها، والتسريع هذا العام، تتّضح لنا اليوم: فالموعدان النهائيان للإعلان، 26 يناير للعام الماضي و24 يناير لهذا العام، هما الموعدان اللذان افتُتح فيهما "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، في نسختيه 53 و54.
تستغلّ الجائزة دورَ نشر مأزومة اقتصادياً تعوّل على مبيع مطبوعاتها
لكن، هل القائمون على "بوكر" منشغلون أو تائهون إلى حدّ أنهم لا يكتشفون توقيت افتتاح المعرض القاهري إلّا في الساعات الأخيرة، فيغيّرون موعدهم تماشياً معه؟ أم أنهم لا يريدون القول، صراحةً، إنّهم يعوّلون بشكلٍ ما على قيمة هذا المعرض ــ أكبر معارض الكتب في البلاد العربية ــ فيحدّثوننا عن "ضرورة" طارئة، أو ربما عن خطأ تقني؟
بعد خمسة عشر عاماً من انطلاقتها، تبدو "بوكر العربية" بحاجةٍ ماسّة وأكيدة إلى حدثٍ مثل "معرض القاهرة"، يُعَدّ "ماكينة" من طراز خاصّ في عالَم الكتاب العربي (أصدرت دور النشر المصرية، في الأيام الأخيرة فقط، عشرات، وربما مئات العناوين الجديدة، بالتزامن مع انطلاق الحدث). فالجائزة التي استطاعت أن تقرن اسمَها في البداية بأسماء كتّاب مثل بهاء طاهر وربيع جابر في سنواتها الأولى، تَهاوت أكثر في الأعوام اللاحقة، وباتت أشبه بطَلَلٍ انفضّ الناس من حوله. أو ربّما عادوا إليهم يوماً واحداً في العام ليروا ما إذا استجدّ فيه شيء ــ وهو ما لا يحدث في كلّ مرّة.
من هنا، يشكّل "معرض القاهرة" باباً للخروج من الأزمة، أو لتصدير صورةٍ بأنْ لا أزمة هناك. ليس فقط لأنه سوقٌ كبيرة لإنتاج وعرض الكتب، بل أيضاً لأن دور النشر المصرية، وكذلك العربية، والمأزومة هي الأُخرى بعد سنوات الجائحة، وسنوات تراجع القراءة (المتراجعة أصلاً)، ستجد في الإعلان عن الجائزة فرصةً لتضع شريطاً على كتابٍ ما يلفت انتباهنا إلى أنه "مرشّح في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2023"، أو على الأقل، لتفعل ذلك في صور وفيديوهات ترويجية على صفحاتها في مواقع التواصل، وهو بالفعل ما حدث. إذ بعد وقتٍ قليل من إعلان أسماء المرشّحين الستّة عشر، خرجت هذه الدار، وتلك، فخورةً بوصول كاتب أو اثنين أو ثلاثة من كتّابها إلى القائمة الطويلة، في تعويلٍ للغريق على قشّة قد تُنقذه، وتساعده على مبيع بعض النسخ من هذه الرواية أو تلك، لقرّاء يحبّون هذا النوع من الأعمال المرشحة لجائزة تسمي نفسها "عالمية".