بقيت إلى جانبك عندما ذهب الحب للتنزه

16 ديسمبر 2020
"موت رحلة"، فوتوغرافيا لـ زينب سديرة/ الجزائر
+ الخط -

الخوف يصحو أيضًا 

الخوف يصحو أيضًا
يمشي معك إلى الحمام
يغسل وجهه
أسنانه 
يُملِّس شعره.. 
ثم يخرج ليراقب القهوة تفور
يجلس على الكرسي
يتصفح الجريدة 
يطلّ من النافذة
الخوف هنا
ظله على الجدار 
أقدامه تظهر من تحت الستائر
يتحرك 
يمشي
يظهر أمامك عاريًا
جسده شفاف
ويده دافئة..

تفتح باب المنزل
فيصرخ الخارج في وجهك
تغلق الباب 
وتبصر عيني الخوف ترتجفان
سيتركني حبيبي
جسد حبيبي
ضحكته
عينا الخوف مذعورتان
سيتركنا يا حبيبي
سنمرّر النهار بالمشي 
جيئة وذهابًا
في غرفة بالكاد تكفي لشخصين.
أنا بقيت إلى جانبك
عندما ذهب الحب للتنزه
أيقظتك
عندما غادرَت الطمأنينة في الليل. 

كنتُ خائفًا من أن تهرب 
أن ترميني من النافذة
أن تتلو التعاويذ فأغادر
لكنك تركتني أحلم معك..
رأيتُك تمشي في الظلمة
فخرجتُ أمامك
أردت أن تضحك وأضحك،
غير أنك صرخت 
وركضت
لأني ضئيل ومظلم وخائف وأُخيف..

رأيتك وحيدًا 
فصادقت قلبك
لكنك بكيت
وتلويت
وشتمت القمر..
خفت أن أقترب منك
وأن أبتعد
وأن أبقى
رسمتُ علامات على الجدار 
لكنك فزعت 
ولونتَها بدمك..
ماذا بوسعي أن أفعل
حين تُترَك
ويغادر الآخرون بابك 
غير أن أمسدك
وأغني لك..

لكن صوتي
صوت ملائكة ينتحبون
يديّ
يدا ذئب عجوز..
ماذا أفعل
بقلبي الطفل
وخطواتي العملاقة 
أنا الخوف
المدفون في باحتك.


■ ■ ■


سنوات لا أحتاجها

بهلع أقترب من القصائد 
كأنها لغم
أُحدّق في الليل الخجِل
من انكشافه 
أتذوّق الصمت 
يائس وعجوز
مثل حصوة في حذاء.

يقول العشب 
أن أحرق شيئًا 
سنوات لا أحتاجها
رؤى تقفز في النوم
يقول الرماد
أن أقتلع بصري لأرى..
أن أجري في الرائحة 
لأفهم الدخان.

أدوس على المعاني 
ويجرحني الفهم
سأعود ناقصًا هذه المرة؛
أجيب على خطاب النافذة 
ودموع الجدار
أرسم قلبًا 
أرمي الدواء..

بأوتاد ثبتُّ أقدامي في الأرض
رميت للطفل نهارًا 
وسبحت حتى جرحني الماء. 

في العالم المقابل نمت هانئًا 
ولم تجفل مني الطمأنينة 
حين غزا سريري 
طفل لم يقطع حبله السريّ..
دفنت الشِّعر لامعًا 
وفعلت أخيرًا ما يفعله الكبار:
يكبرون.


■ ■ ■


جاري الميت

قال لي جاري الميت
في الطابق الأول
لا أحد
يتوقف أمام الباب
ويحدّق فيه
لا أحد يتحدث مع الظلام
والقط المُتخيل. 
الناس يصعدون وينزلون 
مسرعين 
هربًا من شيء 
خوفًا من شيء 
لا أحد 
ولا حتى أمي
يقول:
لنجلس قليلًا مع هذا السيّد
وكأني بقعة ظل في ظلام..

الآخرون أخذوا أشيائي:
قلبي الذي دسسته بحرص
بين جوارب قديمة 
رسائل خبأتها برفق 
فرح نادر 
ادخرته لجنازتي. 
الآخرون قالوا: 
مثل شجرة، سيورق.
مثل نهر، سيفيض. 
ثم علقوا بكاءهم على كتفي
شبكوا أيديهم
وشعروا بالحب
فيما شعرت بالوحدة 
بأسنان صخرٍ تقرض قلبي.

لم أنج
لا الأطباء 
ولا الجنس الجماعي
جعلوني سعيدًا.  

أبكي في الجنائز 
والاحتفالات. 
أبكي حين يفوز المنتخب
وحين يخسر.. 
أبكي حين أصحو 
وحين أنام 
وحين تصطدم بي يد: 
أخيرًا صافحني أحد.
لم يفارقني الحزن أبدًا
لكن مع الوقت
لم يعد مهمًا الإفصاح عنه.
 
أجلس في الظهيرة 
رأسي عالق في حوض أسماك
وكلبة سوداء تلعق قدمي: 
لم أنج 
لن أنجو.. 
لو أنهم تركوني 
باكرًا جدًا
أحفر قبري الضيق
وأحشر أعضائي.


* شاعرة من مصر

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون