إذا كان العديد من الفلاسفة الفرنسيين البارزين في القرن العشرين قد خصّصوا قسماً من أعمالهم لدراسة الفنون بعدّة مفهومية وفكرية، فإن جيل دولوز قد يكون في مقدّمتهم، وهو الذي عُرف بإضافته المهمّة إلى فلسفة السينما، وكذلك بأعماله حول كتّاب مثل مارسيل بروست وفرانز كافكا.
عن منشورات "لارماتان" في باريس، صدر حديثاً كتاب "دولوز: استخدام الفنّ" للباحث الفرنسي برنار بيني، الذي سبق له أن نشر عدّة أعمال حول مكانة الفنّ لدى صاحب "أوديب مضادّاً"، مثل "دولوز: التفكير من دون صورة"، و"دولوز: نقد الصورة التي تمثّل الفكر".
على أن عمل بيني الجديد يتّخذ موقعاً أكثر عموميةً من كتابيه السابقين، حيث يتجاوز التفصيل المتعلّق بفلسفة الصورة عند دولوز ليبحث في فهمه الخاصّ للفنّ بشكل عام، وهو فهمٌ لا يبحث عن جوهرٍ أو طبيعة للفن، كما فعل العديد من الفلاسفة، بل يهتمّ بإمكانية استخدام الفن فلسفياً، بل وبإمكانية تقديم نظرة جديدة إلى الفلسفة انطلاقاً من الفنّ نفسه (ولا ننسى هنا أنه سبق لدولوز أن عرّف الفلسفة بوصفها فنّاً، فنّاً مهمّته ابتكار المفاهيم).
ويشير المؤلّف إلى أن دولوز رأى إلى الفن بوصفه ممارسةً قادرة على تحويل غير المرئيّ إلى مرئيّ، ومن ذلك على سبيل المثال جعْل علاقات القوى والهيمنة جليّة أمام الناس، وهو ما يُفضي إلى خلخلة الأفكار السائدة وفتح الباب على طُرق تفكير جديدة، وبالتالي إيجاد إمكانية للتغيير الاجتماعي.
ويلخّص دولوز هذه النظرة بقوله إن الفنان يضع أعمالاً لا لمجتمع أو جمهور موجود، بل "لشعبٍ سوف يأتي مستقبلاً"، الأمر الذي يعني أن الفنان يساهم، بطريقة ما، في إيجاد هذا الشعب الجديد والمتحرِّر.
كما يشرح الكتاب الدور الذي يلعبه الفن في الممارسة الفلسفية، وفي ممارسة دولوز تحديداً، حيث شكّلت فنون مثل السينما والمسرح والأدب والرسم مجالاً تجريبياً لعدد من مفاهيمه ولإمكانية تحقُّقها، ما يجعل الفنّ امتحاناً ضرورياً لفعالية الفلسفة نفسها، وهو ما لا يبدو بعيداً عن فكرة دولوز حول الأدب بوصفه "تمريناً للفكر".