تداول، مؤخّراً، عدد كبير من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا منشوراً نُشر لدقائق على إحدى الصفحات الرسمية التابعة لـ"مهرجان برلين السينمائي"، الذي اختُتم في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الجاري، يدعو لوقف الإبادة الجماعية في غزّة، وإعلان التضامن مع فلسطين وينقد صمت النُّخب الثقافية الألمانية عن الجريمة، ليتمّ حذف المنشور ولتُنشر بعدها كلّ الصفحات التابعة للمهرجان منشوراً اعتذارياً باللغتين الألمانية والإنكليزية تتنصّل فيه من المنشور المتضامن.
وقد جاء المنشور الذي كتبه "مجهول" يبدو أنّه من أحد العاملين في المهرجان، بألوان النسخة الجديدة من المهرجان وبالشعار الرسمي في خلفيته، وقد كُتب في الصحفة الأولى بالخطّ العريض "الإبادة الجماعية هي إبادة جماعية، كلّنا متواطئون".
ليسترسل أنّ السبب الذي دفعهم للحديث "هو كمّية الشكاوى التي وصلت عن المهرجان لسكوته عمّا يحصل في فلسطين، ولارتفاع خطر الأحزاب اليمينية في ألمانيا، وأنّ الصمت تُجاه الإبادة الجماعية والتطهير العِرقي يجعل العاملين مُشاركين في الجريمة".
هدّدت إدارة المهرجان بمحاسبة "الفاعلين" ورفعت قضية ضدّ مجهول
وقد أكّد المنشور أنه يأتي بعد "نقاش داخلي طويل تقرَّر فيه أنّ الشعور الألماني بالذنب لا يُبرِّئ الألمان لا من تاريخهم ولا من تواطُؤهم مع ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي"، وفي النهاية أكّد المنشور أنّ العاملين في المهرجان "يضُمُّون أصواتهم للملايين حول العالَم للدعوة إلى وقف إطلاق نار فوريٍّ في غزّة، ويدعون كلّ المؤسسات الثقافية في ألمانيا لتفعل مثلهم". ليُختَتَم بكتابة "من ماضينا النّازي الذي لم يتم حلُّه إلى حاضرنا الإبادي، نحن لا نزال في الجانب الخاطئ من التاريخ. لكن لم يفت الأوان بعد لتغيير مستقبلنا".
يُشار إلى أن المنشور كان قد نُشر على صفحة "بانوراما برلين"، وهي إحدى الفئات الثابتة في المهرجان والتي تهتمّ بالأفلام التي تستخدم أساليب جديدة ومميزة، سواء في الإخراج أو التصوير أو السرد البصري، تؤكّد على صفحتها الرسمية أنها معنية بشكل واضح بكل القضايا السياسية وعلى دعمها للفنّ السياسي والأعمال الجريئة، وهو ما يدفع الكثير من الناشطين للتخمين أن المنشور جاء فعلاً بعد نقاش داخلي للقائمين على هذه الفئة، قبل أن تقوم إدارة المهرجان العُليا بالاعتراض وسحب المنشور، لكنّ هذه تبقى تكهُّنات غير أكيدة، إذ لم يصدر بعد عن أحد من العاملين أي تعليق على الموضوع، خصوصاً أن المهرجان قد هدّد بأن تتم محاسبة الفاعلين قضائياً. وجاء في البيان الذي نشرته الإدارة: "إنّ الصور والكلمات المنشورة على صفحة فئة بانوراما عن الصراع الدائر في الشرق الأوسط لم تأت من المهرجان ولا تعبِّر عن توجُّهه، وقد قمنا بحذفها فوراً، ونقوم الآن بتحقيق داخلي وقد رفعنا شكوى قضائية ضدّ مجهول".
هذا التهديد كان مثار امتعاض وسخرية عدد من الناشطين، فمثلاً كتب القائمون على صفحة "عتمة - برلين" وهو تجمُّع لعدد من الكتّاب والموسيقيّين المُقيمين في برلين: "لم نَخْبَر في أيّ مكان في العالَم هذا القرب بين الجهات الثقافية والشرطة، هنا مؤسسات دائماً تهدِّد بالدعاوى الجنائية وتتبع بفخر الخطّ المرسوم لها... وفي نهاية المطاف ثقتنا هي ما تصنعكم وليس الدولة".
وقد أثار تضامن عدد كبير من المشاركين في المهرجان مع الشعب الفلسطيني، سواء أثناء تسلُّمهم للجوائز أو المقابلات الصحافية التي يُجْرونها زوبعةً من النقاش، دفعت إدارة المهرجان وعدداً من السياسيّين الألمان للتنصُّل منها وإدانة أصحابها، وملاحقتهم بدعوى "معاداة السامية" التي باتت تفقد معناها أكثر فأكثر، وبهذا يضمن المهرجان للمؤسسات الثقافية التي تتعامل بسلطوية مع المشاركين فيها، وتنساق في خطاباتها السياسية مع توجُّهات السلطة، وتفقد شيئاً فشيئاً مركزها كأداة للديمقراطية والانفتاح الثقافي والسياسي.