الذاكرة الرسمية قصيرة جدّاً في الأردن؛ إذ لم يمض سوى عام على إعلان رئيس مجلس الوزراء، بشر الخصاونة تحديد التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر من كل عام يوماً وطنياً للقراءة، حتى نسيت الجهات الرسمية القائمة على "الإعلان" موضوعه تماماً.
المفارَقة أنّ الجهة الخاصة الوحيدة التي توجَّه إليها الخصاونة في إعلانه، وهي "مؤسّسة عبد الحميد شومان"، حدّدت منذ مدّة طويلة موعد إطلاق "ماراثون القراءة" في أربعين موقعاً داخل المملكة بالتزامن مع يوم القراءة، عبر تجهيز المكتبات بطريقة تحاكي الماراثون الرياضي، فهناك خطّ بداية ونهاية ومسار للمشاركين في الماراثون، بهدف تعريف المشتركين بأقسام المكتبة كافّة وتصنيفها.
"شومان" أطلقت فعاليتها هذه لأوّل مرّة عام 2020 في موعد مختلف، لتُكيّفها بل وتطوّرها وتُوسّع من مدى تنظيمها في ذلك اليوم الذي خصّصته الحكومة للقراءة منذ العام الماضي، مقابل تجاهل كلّ مؤسّسات الدولة المعنيّة بهذا الشأن، والتي لم تُعدّ وتخطّط لأي أنشطة احتفاء بالمناسبة.
لم يتذكّر أحد يوم القراءة، وفاتَ رئيس الوزراء نفسه أن يذهب إلى افتتاح معرض عمّان الدولي للكتاب
في مقدّمة هذه المؤسّسات وزارة الثقافة التي صدّرت بياناً قبل عام، تحدّثت خلاله عن فوائد القراءة وأهميتها في تنمية المجتمع والوطن، لكن أداء الوزارة مؤخراً يبدو مخالفاً لهذه التوجّهات مع تأخر صدور مجلاتها أكثر من ستّة أشهر، كما أن عدد إصداراتها انخفض العام الحالي، وتراجع أيضاً مضمون الكتب ومستواها ضمن مشروع "مكتبة الأسرة"، الذي يمكن مراجعة منشوراته قياساً بسنوات سابقة.
ويصبح من نافل القول هنا أنّ ربع ميزانية "الثقافة"، التي تبلغ نحو ثمانية ملايين دينار فقط، يذهب للإنفاق على جميع الأنشطة الثقافية التي تدعمها، غير أن وزيرة الثقافة أشارت في تصريح صحافي اليوم أن كتب اليافعين، التي لا يتمّ التركيز عليها غالباً، ستُطرح ضمن الإصدارات الجديدة لـ"مكتبة الأسرة" بطريقة مختلفة. وهو أمر يستحق الانتظار للاطلاع على العناوين الجديدة إن كانت تحمل اختلافاً أم أنّ تصريحات الوزيرة للاستهلاك الإعلامي.
الجهة التالية التي خاطبها رئيس الحكومة كانت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، التي تعاني مكتبات مدارسها بسبب محتواها الفقير وانفصالها عن العملية التعليمية، ما يستدعي التفكير في إجراء تغيير جذري في مفهوم المكتبة المدرسة أكثر من التركيز على زيادة عدد المكتبات والمبادرات والمسابقات التي تحدّث عنها اليوم للإعلام الوزير الحالي عزمي محافظة، الذي لا يُمكن إنكار جهوده من خلال خطط تغيير المناهج وتضمينها مواد الفلسفة والمنطق وتعديلات امتحان الثانوية العامة.
وبخصوص الجهة الثالثة، وهي "أمانة عمّان الكبرى"، فكان لافتاً تقديمها إحصائيات 2022 التي تشير إلى شرائها حوالي ألف وخمسمئة نسخة لمكتباتها التي تقدّر بنحو ستين، وبلغ عدد الكتب المعارة حوالي خمسة وثمانين ألف كتاب، لكن لا يمكن التعامل مع هذه الأرقام بشكل مجرّد، أي دون التذكير بأن عدد سكان عمّان بلغ أربعة ملايين وسبعمئة ألف بحسب بيانات الحكومة العام الماضي.
وزارة الشباب، آخر الجهات الحكومية التي خاطبها رئيس الوزراء بخصوص اليوم الوطني للقراءة لم تشذ عن شقيقاتها، إذ يخلو موقعها الإلكتروني وصفحاتها على وسائط التواصل الاجتماعي من أي خطط وأنشطة تتصل بالثقافة، ولا تزال معظم فعالياتها تتحدث عن الانتماء للوطن والولاء للحكم بشكل أساسي.
لم يتذكّر أحد يوم القراءة، وفاتَ رئيس الوزراء نفسه أن يذهب إلى افتتاح "معرض عمّان الدولي للكتاب" الأسبوع الماضي، وأن يقرر دعم الكتاب وصنّاعه بتخصيص ميزانية حكومية لشراء إصدارات معيّنة تذهب إلى مكتبات رسمية بعد أن يُصار إلى تحديث أدوار المكتبة وربطها بالعملية التعليمية التي تبني مواطناً يمتلك رؤية نقدية وانفتاحاً معرفياً واستيعاباً لتراثه وقدرة على تحديثه، وليس مواطناً خارج كلّ حسابات التنمية والتطوير كما هو الواقع اليوم.