ضمن سلسلة ندوات "تنمية القطاع الزراعي الفلسطيني بين الاستعمار والعولمة والتحرير"، التي تُنظّمها "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية"، انعقدت أول من أمس الخميس، الجلسة الأُولى، عبر منصة "زووم"، حيث قدّم لها أحمد حنيطي موضّحاً أن هذه سلسلة الندوات تهدف إلى التفكير بشكل جماعي في التحوّلات الماضية والحالية في القطاع الزراعي الفلسطيني بسياق الاستعمار الاستيطاني وحرب الإبادة الجماعية.
بدأت الندوة بمداخلة للباحث المصري صقر النور بعنوان "الأزمة الهيكلية للنُّظم الغذائية - الزراعية في مصر"، الذي أشار إلى "أنّ ديناميات الهيمنة هي التي تُحدّد أنماط الاقتصاد الزراعي في العالَم، حيث شهدت مصر منذ القرن التاسع عشر تراكُماً أوّليّاً في التطوّر، مروراً بفترة الانتداب البريطاني وصولاً إلى الاستقلال وما بعده، وشيوع أفكار الاكتفاء الذاتي، حتى لو لم يكن الإصلاح الزراعي جذرياً بما فيه الكفاية، وبالوصول إلى الهيمنة السلطوية الجديدة منذ عام 2013 نجد أننا أمام نموذج يُمكن تسميته بـ'تنمية زراعية' بلا فلاحين، بالإضافة لشراكة الجيش مع المستثمرين".
لمنع عمليات إنتاج الغذاء، حتى لو توفّرت المواد الأولية، لجأ الاحتلال إلى استراتيجية قصف المخابز
كما أشار صاحب كتاب "عيش مرحرح: الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في مصر" (بالاشتراك مع محمد رمضان) إلى "تحولات البيئة الزراعية في الوادي والدلتا والصحراء، مثل التصدّع في التبادُل البيئي المتوازن في الأراضي القديمة، واستنزاف الموارد والتوسّع الرأسمالي والسلطوي في الصحراء، وهذا ما عزّز مشكلة الفقر الريفي". ولفت الباحث إلى مظاهر أُخرى مثل "تدهور الأراضي الزراعية القديمة والمستصلحة، وتملُّح الأراضي الجديدة، وتلوّث المياه بالصرف الصحي والمخلّفات الزراعية، وفي صلب أزمات الاقتصاد الزراعي تأتي مسألة الاستحواذ الخارجي على الملكيات المحلية".
بدوره قدّم الباحث الفلسطيني رامي زريق مداخلته حول "فرض هشاشة الأمن الغذائي والنُّظم الغذائية كاستراتيجية للاستعمار الاستيطاني"، حيث أوضح المتحدّث سَعْي الاحتلال الإسرائيلي الدائم من أجل تدمير الأرض كمصدر عيش مباشر للمزارعين الفلسطينيّين. ولمّا كانت فلسطين تعتمد بشكل كامل على استيراد الموادّ الغذائية، خاصة بالنسبة للقمح، فإنّ الاحتلال استغلّ هذه الوضعية بغاية التحكّم المطلق بالأمن الغذائي".
ولفت زريق إلى أنّ مشكلات الأمن الغذائي في فلسطين تتعدّد أسبابها: "الخوف من الاعتداءات الإسرائيلية، وسيطرة الاحتلال على موارد المياه، وعدم السماح للمزارعين باستيراد الأسمدة، ونقص المساحات والأماكن المُمطرة. فضلاً عن محاولة الاحتلال تغيير النظم الغذائية وجعلها هشّة، وفي ظل العدوان انتقل إلى استراتيجية أُخرى تتمثّل بضرب المخابز، وبالتالي حتى لو تحصّلنا على القمح والطحين فعملية إنتاجهما باتت مستحيلة".
وختم مداخلته بمقولة لمواطن غزّي يُدعى يحيى بشير: "رفعتُ الحجارة والرُّكام، وحرثت الأرض وغرست ما يسّر الله لي أن أغرس! هذا بيتي وعائلتي وهذه أرضنا، وسيعود كلّ شيء أجمل مما كان".
يُشار إلى أن سلسلة الندوات ستعقد بمعدّل جلسة كل شهر حتى حزيران/ يونيو المُقبل، ويُشارك فيها مجموعة باحثين هُم: فائق مرعي، وفيروز سالم، ومزنة القطو وفادية بنوسيتي وبول كولبري وسعد عميرة.