اعتبر المصريون القدماء مدينة الأقصر، التي كانت تُعرف سابقاً باسم طيبة، مدينةَ الشمس. ولأجل ذلك كانت عاصمة مصر في العصر الفرعوني، إذ تقع على ضفاف نهر النيل الذي يقسمها إلى شطرين: البر الشرقي والبر الغربي. وقد مثّل البر الشرقي من المدنية دار الحياة؛ ففيها كانوا يسكنون ويعيشون ويذهبون للتعبّد في المعابد المجاورة لهم. أمّا البر الغربي من المدينة، فقد كان يعرف باسم دار الممات.
عام 2020 قرّرت المصوّرة الفوتوغرافية الإسبانية ماريا بريمو زيارة مدينة الأقصر للتعرّف على تاريخها، وانتهى المطاف بها بأن قضت فيها ثلاث سنوات، استغلّتها على شكل إقامة فنيّة اقتربت عبرها بشكل أساسيّ من نهر النيل كي تحصد قصصه الأسطورية، فيما كانت تراقب عن كثب إنشاءات القُدماء والهندسة المعمارية المحلية، في ظل الخطر المتزايد والمتمثل في أزمة المناخ أو السياحة الجماهيرية.
وقد نتج عن تلك الإقامة مجموعة أعمال متعدّدة التخصصات تتضمن صوراً فوتوغرافية وسيراميك ورسومات ومقاطع فيديو قرّرت المصورة الفوتوغرافية جمعها كاملةً في معرض "النيل أكثر من نهر"، الذي يستضيفه "البيت العربي" في مقرّه بمدريد، اعتباراً من الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، حتى الثامن من كانون الثاني/ يناير 2024.
تقتربُ بريمو في أعمالها من نهر النيل بشكل جوهري للاستماع إلى بعض القصص التي يحتوي عليها: القصص الأسطورية، والفراعنة النساء، ولصوص المقابر، وإنشاءات القدماء، والهندسة المعمارية المحلية. وفي هذا الاستماع، تُلاحظ المصوّرة أنّ النهر يُواجه تهديدات خطيرة، مثل التدهور الذي لحق بالتراث بسبب تأثير أزمة المناخ. وتقترح الفنانة الإسبانية من خلال الأعمال روايات جديدة للحديث عن المياه، وعن ضعف حضور المرأة في المجال الاجتماعي، وإزاحة النظرة البشرية المركزية وأهمية استعادة النُّظم المعرفية التقليدية.
يلمح عنوان المعرض إلى النهر كمحور فاصل، في إشارة إلى المعماري المصري البارز حسن فتحي (1900 – 1989)، الذي قال مرّة إن "الباب ليس مجرد باب، بل هو حدود بين العالم الخارجي والداخلي".
وقد تم تنظم المعرض في كتلٍ مفاهيمية مترابطة يتنقّل فيها الزائر برشاقة بين فترات زمنية مختلفة تأخذنا من القرون البعيدة إلى الحاضر، مستفيداً من اندماج متطوّر بين الخيال والواقع، والأساطير والحلقات التاريخية. كل هذا يعمل على بناء قصة مع الطبيعة والعلاقات المترابطة والمعقّدة التي تكمن وراء حالة الطوارئ البيئية.