النرويجي الذي مسح الغبار عن صورة نوبل للأدب

07 أكتوبر 2023
أغلفة كتب يون فوسه معروضة في الأكاديمية السويدية في يوم فوزه (Getty)
+ الخط -

بعد سنواتٍ عدّة من تردّي مستوى "جائزة نوبل للأدب"، فاجأت الأكاديمية السويدية في استوكهولم محبّي الأدب هذا العام باسم من العيار الثقيل في الأدب الحديث، الكاتب النرويجي يون فوسه (1959)، والذي سبق أن عرضت "العربي الجديد" اثنَتين من رواياته؛ سباعيته "الاسم الآخر" و"ثلاثية" التي صدرت عن "دار الكرمة" بترجمة شيرين عبد الوهاب وأمل روّاش (وهي كلُّ ما تُرجم له إلى العربية بجانب روايته "صباح ومساء" لدى نفس الناشر وبتوقيع نفس المترجمتين). إذ أضاءت المقالتان على ما يُميّز كتابته من طريقة سرده، واستخدامه لتقنية تعدُّد الأصوات، وأهمّية سرده المتدفّق. مما لا شكّ فيه أنّ فوز يون فوسه يُعيد إلى الجائزة بعضًا من بريقها الذي فقدته، لا سيما في الأعوام الأخيرة، مع فوز المغني بوب ديلان عام 2016 بالجائزة.

أمّا بالنسبة إلى ما أشار إليه بيان الأكاديمية من أنّ الدافع وراء منحه الجائزة هو "مسرحياته المبتكَرة، ونثره الذي يمنح صوتًا لما لا يمكن قوله"، فيبدو الأمرُ مبالَغًا فيه بعض الشيء، ويعود هذا لعدّة أسباب. من المؤكَّد أنّ يون فوسه صاحبُ صوت أدبي متفرّد وخاصّ، لكن التاريخ يكاد يكون معدومًا في أعماله، سواء تاريخ النرويج الحديث أو القديم، وأمّا المعالجة الإنسانية الرفيعة لديه، فيمكن القول إنها غير نقدية بالمعنى السياسي، على خلاف الكاتب النمساوي من أصل هولندي توماس برنهاد (1931 - 1989) مثلًا، والذي نقل فوسه نفسُه بعض أعماله إلى النروجية، لا سيما أنّ التركيب الإنساني في أعمال فوسه هو فنّي بالدرجة الأولى، ولا يتمتّع بالنقد السياسي أو الاجتماعي، بل يبقى وجدانياً فنّياً.

المعالجات الإنسانية الرفيعة في أدبه غير نقدية بالمعنى السياسي

لا يمكن إنكار أنّ كتابةَ فوسه مبتكرة إلى أبعد الحدود. قرأتُ أهمّ أعماله، مثل "السباعية" و"الثلاثية" و"صباح ومساء" و"كآبة" و"أليس في النار" و"المجلّد الأول من المسرحيات"، وأُقرّ بأنّني استمتعت بقراءتها أيّما استمتاع، وهي بالطبع كتابة مهمّة وجادّة، لكن "يمنح صوتاً لما لا يمكن قوله"، فهذه مقولة تحتاج إلى قليل من إعادة النظر، فهو ليس هنري ميلر مثلًا الذي قال فعلًا ما لا يمكن قوله، ومنح صوتًا فعلًا لما لا يمكن قوله، وكان "شوكة في حلق أميركا".

مسح فوسه غبارًا متراكمًا عن صورة جائزة نوبل للأدب، وأعاد إليها بعضًا من بريقها، هي التي مُنحت لأهمّ الكتاب في زماننا مثل غارسيا ماركيز، وفوكنر، وتوماس مان، وهي أيضًا الجائزة التي لم تُمنح لأهمّ الكتّاب أمثال وليم غاديس وتوماس برنهاد وبورخيس. وهذه مآخذ لا بد من وجودها، خصوصًا أنّ الجائزة لا يمكن أن تكون منصفة دائمًا كحال جميع الجوائز في العالم، لا سيما أنّها محصورة غالبًا بين الدول الأوروبية، حيث لا نرى فائزًا من أفريقيا أو من الشرق الأقصى سوى مرّة في كلّ عقدين تقريبًا.

* كاتب من فلسطين

المساهمون