في خضمّ ازدهارٍ ملحوظ لـ فنّ القصص المصوَّرة في الجزائر من خلال الكُتب والمجلّات المتخصّصة التي بدأت بالظهور نهاية الستّينيات ووصلت إلى أوجها في العقديَن اللاحقَين، أَطلقت مجموعةٌ من الكتّاب والرسّامين الجزائريّين، في الثمانينيات، مهرجاناً محلّياً خاصّاً بـ"الكوميكس" في بُرج البحري بالجزائر العاصمة، قبل أن يتوقّف عام 1988، ليخلفه مهرجانٌ متوسّطيٌّ لم يستمرّ طويلاً هو الآخر.
في بدايات الألفية الجديدة، ومع خروج الجزائر من دوّامة العنف ومحاوَلة إعادة الحياة للمشهد الثقافي الذي تعطَّل لعقد كامل، أسّست وزارة الثقافة عدداً من المهرجانات الثقافية والفنّية التي شملت مجالات مختلفة؛ من بينها الفنُّ التاسع الذي خُصّص له مهرجانٌ دولي أُطلقت دورتُه الأولى عام 2009، وظلّ مستمرّاً إلى اليوم؛ حيث يصل هذا العام إلى دورته الخامسة عشرة.
"طبعةُ الشباب" هو عنوان الدورة الجديدة من "المهرجان الدولي للشريط المرسوم" التي تنطلق في الرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، وتستمرّ حتى الثامن منه في ساحة "رياض الفتح" بالجزائر العاصمة، بمشاركة قرابة ثمانين مؤلِّفاً وناشراً من عشرة بلدان؛ من بينها اليابان وإيطاليا وفرنسا وكندا والولايات المتّحدة والكونغو.
وقال مدير المهرجان سليم براهيمي، في مؤتمر صحافيّ عقده في الجزائر العاصمة الثلاثاء الماضي، إنّ هذه الدورة ستتوجَّه خصوصاً إلى الشباب، من خلال تنظيم ورش تدريبية وفضاءات ترفيهية للمُراهقين والأطفال، إلى جانب محاضرات ومعارض وعروض أفلام رسوم متحرّكة.
ظهرت مجلّة "مقيدش" ضمن توجُّه لربط "الكوميكس" بالهوية الوطنية
من بين فعاليات الدورة لقاءٌ مع الفنّانة الأميركية إليتا مارتيناز؛ رسّامة البطل الخارق "الفهد الأسود"، ومحاضَرةٌ لكاتب السيناريو ومُخرج أفلام الرسوم المتحرّكة الياباني سوناو كاتابوشي بعنوان "سينما الرسوم المتحركة"، وأُخرى للفنّان الكندي فريدريك أنطوان عن وضْع هذا الفنّ في بلده.
ويستضيف المهرجان عدداً من روّاد فنّ الكوميكس في الجزائر؛ مثل: محفوظ عيدر، وعبّاس بن يوسف كبير، وأحمد هارون، ويُكرّم الرسّام الراحل نجيب باربار (1952 - 2023) من خلال تنظيم معرضٍ لأعماله. كما يضيء على شخصية "مْقيدش" المأخوذة من حكاية شعبية جزائرية بعنوان "مْقِيدَش ولُونْجة ابنة الغولة".
اقتبَس الفنّانُ عبد الرحمن ماضوي (1925 - 2013) هذه الشخصية في قصصه المُصوَّرة، ومنح اسمَها لأوّل مجلَّة جزائرية متخصّصة في الكوميكس صدرت عن "المؤسَّسة الوطنية للنشر والتوزيع" بين عامَي 1969 و1974، واستقطبت أبرز فنّاني الكوميكس في ذلك الوقت، ضمن توجُّه لربط هذا الفنّ بالهوية الوطنية وإبعاده عن التماهي مع القصص المصوَّرة الفرنسية والغربية؛ وهو ما كان سائداً منذ نشْر الفنّان محمّد عرّام (1934 - 2020) أوّل قصّةٍ مرسومة جزائرية عام 1967.