المهدي اغويركات.. عن الاستعمال الاستعماري لابن خلدون

09 فبراير 2023
المهدي اغويركات خلال كلمته (العربي الجديد)
+ الخط -

في الثقافة العربية، يوجد افتخار بأبوّة عبد الرحمن بن خلدون للعلوم الاجتماعية. فإذا كانت مفاهيم هذه الأخيرة ونظرياتها قد تبلورت في القرن التاسع عشر، فقد وضع صاحب "المقدّمة" أسس الفكر الاجتماعي قبل ذلك بقرون خمسة. مقابل هذا، لن نجد إنكاراً غربياً للمساهمة الخلدونية، على عكس الكثير من الوضعيات المشابهة، لكن هل هذا الاعتراف بريء؟

في محاضرة ألقاها الباحث الفرنسي المغربي المهدي اغويركات ضمن مؤتمر "التفكير في العلوم الإنسانية في العالم العربي" ــ الذي عُقد بين أمس وصباح اليوم في باريس بتنظيم من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"كوليج دو فرانس" ــ أشار إلى ضرورة تفكيك العودة الغربية إلى ابن خلدون، فالأمر ليس مجرّد اكتشاف جرى استثماره، بل إن وضع تلقّي صاحب "كتاب العبر" في سياق تاريخ المعرفة في أوروبا سيضيء نقاطاً جديدة حول علاقة الغرب بالشرق.

يؤكّد اغويركات على أن ابن خلدون لم يكن له حضور في الغرب قبل القرن التاسع عشر كما هو الحال مع ابن سينا أو ابن رشد. إذن هناك حضور مفاجئ لا يمكن أن نفصله عن سياق التلقّي، أي مرحلة ما بين 1820 و1860، حين تطوّرت المعارف الاجتماعية في أوروبا. يمكن أن تدّعي قراءات مختزلة أنّ حاجة الغرب لمفاهيم هي التي دفعت بمثقّفي القرن التاسع عشر نحو ابن خلدون، لكن ذلك غير صحيح، فلا يمكن إغفال لحظة 1830 (استعمار الجزائر)، ويُبرهن اغويركات ذلك بإشارته إلى أن ابن خلدون ظل يُقرأ كـ"عبقرية" معزولة عن إطارها المكاني والزماني، بل إنّ معاصريه كانوا يُعتبرون في المجال العلمي الأوروبي مجرّد مجتهدين هواة ويوضعون دون درجة العلماء.

ظلّ ابن خلدون يُقرأ كـ"عبقرية" معزولة عن إطارها المكاني والزماني

لكن الغرب لم يكن يحتاج أيّ مفاهيم كانت. كان يحتاج مفاهيم تقدّم أدوات لفهم منطقة بدأ استعمار جزء منها، وأجزاء أُخرى قابلة للاستعمار. يقول المحاضر: "كانت النظرة الأولى إلى الجزائر بأنها بلدٌ مسكون بالأسرار، وبالتالي فهو يحتاج إلى شيفرة، وفي هذا السياق جرى استدعاء فكر ابن خلدون".

يشير اغويركات إلى أنّ امتلاك ابن خلدون أتى أيضاً في سياق تنافس القوى الأوروبية مع الدولة العثمانية، وكانت قد بدأت ببناء عملية تحديث جرى استلهام ابن خلدون فيها، وهو ما جعل من فهمه ضرورة في الغرب لفهم مقوّمات التحديث العثماني الذي قد يفرز تغييراً في علاقات القوة.

يكاد ينطبق على ما حدث لابن خلدون ما تشير إليه أُغنية للشيخ إمام، أدّاها خلال ما يُعرف في تاريخ مصر المعاصر بـ"الانفتاح". كانت الأغنية تنتقد استعمال مقطع من أغنية "سالمة يا سلامة" لسيّد درويش في إشهارٍ لكوكا كولا. كيف يمكن تطويع لحن لفنّان الشعب في دعاية تخدم الرأسمالية؟ وكذلك كيف يمكن تطويع مفكّر عربي لمخططات استعمارية ضد العالم العربي تحديداً؟ تقول الأغنية في سخرية مُرّة: "سيد درويش اللي حيلتنا... سرقوه وباعوه بيعة ندامة"...

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون