تحت عنوان "مقاوَمة الاحتلال في الفنّ الفلسطيني والعربي"، يُقيم "نادي الحوار الفنّي" في "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" بعمّان، عند السادسة والنصف من مساء غدٍ الأحد، لقاءً بالتعاوُن مع منصّة "إطار فنّي"، يتناول بحثاً أعدّته المنصّة حول تاريخ مقاوَمة الاحتلال في الفنّ التشكيلي الفلسطيني والعربي منذ النكبة وحتى اليوم.
يستضيف اللقاء كلّاً من سارة الرمحي وجهينة رواحنة وجمانة الشافعي وزينة الرمحي من فريق "إطار فنّي"، واللاتي أعددن البحث الذي اخترن له عنواناً بصيغة سؤال؛ هو "المقاوَمة والفنّ: كيف ظهرت المقاوَمة في الفنّ الفلسطيني والعربي؟"، ونشرنه عبر المنصّة خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزّة.
يتناول الحوار ما وصل إليه فريق العمل من خلال بحثه في هذا الموضوع، إلى جانب عرض يشمل نماذج وأعمالاً فنّية تعكس تاريخ تطوُّر فنّ المقاوَمة على مرّ السنوات والأحداث المحورية التي شهدتها القضية الفلسطينية. ويُتبع العرض بنقاش مفتوح مع الحضور.
يَأخذ البحثُ شكلَ خطّ زمني يبدأ منذ ما قبل نكبة 1948 وصولاً إلى عام 2023، ويتضمّن 194 عملاً فنّياً لفنّانين وفنّانات فلسطينيّين وعرب، تُضاف إليها جداريات من مخيّمات في فلسطين ومدن عربية؛ حيث وُضعت أمام كلّ عملٍ معلومات عن صاحبه وتاريخ إنجازه والمصدر الذي أُخذ منه.
ظلّ التعبير عن الألم والمجازر أكثر تكراراً في الفنّ الفلسطيني
وتُشير القائمات على البحث إلى أنّ هذه الأعمال اختِيرت من مجموعةٍ أكبر من الأعمال التي أُنتجت خلال تلك الفترة، والتي تنتمي إلى مجموعات لمؤسّسات متحفية أو مقتنيات خاصّة؛ حيث بدا من الصعب عرضُها كلُّها لكثرتها، وأنّ بعضاً منها يرتبط بشكل مباشر بالتوجّهات السياسية لأصحابها، وبعضُها صدر عن مكاتب إعلامية لجهات سياسية ضمن حدث مُحدَّد في فترة زمنية محدَّدة.
ولا تكتفي القائمات على البحث بعرض الأعمال وفق ترتيبها الزمني، بل توردن جملةً من الملاحظات أو الاستنتاجات التي خلصن إليها حول الموضوع؛ ومن ذلك أنّ ظهورَ السياسة في الفنّ الفلسطيني قبل النكبة يختلف بشكل حادّ عمّا بعدها؛ فعلى الرغم من ظهورها في بعض الأعمال الفنّية خلال الثلاثينيات والأربعينيات، إلّا أنّ الفلسطيني كان أكثر ميلاً لممارسة فنونه الأصلية التي تدمج بين العمل اليدوي والجمالي والصناعات الحِرَفية إلى حين نكبة 1948، التي جعلت الاحتكاك بالواقع السياسي والتعبير عنه ضرورة ملحّة للفنّان الفلسطيني الذي أدرك دوره الأساسي في النضال التحرّري. وهنا يلفتن إلى أنّ التغيير لم يقتصر على الموضوعات، بل شمل غزارة الإنتاج الثقافي والفنّي أيضاً.
ويلفت البحث إلى أنّه، وبعد عام 1967، زادت المعاناة التي يعيشها الفنّانون الفلسطينيون بعد نزوح عدد كبير منهم، ليُعبّروا عن ذلك في أماكن عيشهم؛ حيث تشكّلت تجمّعات ثقافية لفنّانين فلسطينيّين في الأردن ولبنان وغزّة والضفّة الغربية والأراضي المحتلّة، وتناولت أعمالُهم المجازر والاعتداءات والغضب الشعبي من الأنظمة العربية، كما تناولت أمل التحرير والعودة.
من الملاحظات الأُخرى التي يُسجّلها فريق البحث أنّ التعبير عن المعاناة والألم ومجازر الاحتلال كان أكثر تكراراً في الأعمال الفنّية الفلسطينية مِن التعبير عن القوّة والمقاوَمة، وهو ما يفسّره البحث بوحشية جرائم الاحتلال، وشعور الفنّانين بضرورة توثيقها كحدث تاريخي، إضافة إلى حاجتهم الشخصية للتفريغ الانفعالي والتعبير عن مشاعرهم في ظلّ الظروف الصعبة التي عايشوها.
ويذكر البحث أنّ المقاوَمة ظهرت في الأعمال الفنّية بغزارة في بعض الفترات الزمنية؛ مثل الفترة ما بين منتصف الستّينيات وحتى أواخر الثمانينيات، وأنّ ذلك يعود إلى نشاط الفعل المقاوِم في تلك السنوات، ودَور "منظّمة التحرير الفلسطينية" في دعم الفنّانين لإنتاج هذا النوع من الأعمال، ثمّ عاودت الظهور بغزارة في السنوات الأخيرة؛ أي ما بعد عام 2018، في حين كان ظهور الفنّ الفلسطيني شحيحاً في فترات أُخرى، مثل ما بعد النكبة مباشرةً؛ حين انشغل الفلسطينيّون بتأمين أساسيات الحياة، وأيضاً في أواخر التسعينيات بالتزامن مع "اتفاقية أوسلو".
وحول توجّهات الأعمال الفنّية عبر السنوات، تسجّل الباحثات سيطرة حالة من الرومانسية والعاطفة على أعمال الخمسينيات والستينيات؛ حيث "نرى الأعمال بألوان دافئة تربط المقاوَمة بالعائلة والحب"، وهو ما اختلف لاحقاً مع ظهور "البوسترات" خلال الستّينيات واستمرارها بكثافة خلال السبعينيات؛ حيث عبّرت بطريقة أكثر بأساً وقوّة من الأعمال السابقة، وارتبطت بشكل مباشر بنشاط "منظّمة التحرير الفلسطينية" التي استعملتها "أداة إعلان وإعلام سياسية".
تغلّب حضور الرموز على الشخصيات السياسية والمقاوِمة المعروفة
وبالوصول إلى مطلع الألفية الجديدة، يُسجّل البحث بدء انتشار الفنّ المفاهيمي بصورة واضحة، حين تبنّت دعمه وعرضه مؤسّسات فنّية توجّهت إلى هذا النوع على حساب اللوحة التقليدية، واستخدمه الفنّانون من خلال عناصر تُعبّر عن المقاوَمة ووظّفوها بطرق مختلفة.
وبخصوص الرموز، يشير البحث إلى ظهورها بكثرة في الأعمال الفنّية على اختلاف مواضيعها وسنوات إنتاجها، وكان أكثرها شيوعاً الأسلحة النارية والبيضاء والكوفية والملثّمون والنباتات كرموز للأرض وملكيتها، ملاحِظاً هنا أنّ الرموز تغلّبت على الشخصيات السياسية والمقاوِمة المعروفة، والتي كانت نادرة الظهور حتى عام 2015 وما بعده، حين أدّت سرعة الإنتاج والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التفاعل السريع مع الأحداث ورسم شخصيات مقاومين وشهداء حوّلهم الرأي العام الشعبي إلى رموز بحدّ ذاتهم.
يُذكَر أنّ "إطار فنّي"، ومثلما تُعرّف نفسها، هي "منصّة إلكترونية بمفهوم مجتمعي تطمح لجعل الفنّ جزءاً من حياة الناس اليومية"؛ حيث تسعى إلى "خلق وتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في مجال الفنون التشكيلية ونشر ثقافة الفنّ في مجتمعاتنا العربية".