"المقاطعة" لجوليا باشا.. فلسطين في قلب المجتمع الأميركي

16 مارس 2024
من الوثائقي
+ الخط -
اظهر الملخص
- الوثائقي "المقاطعة" يسلط الضوء على تجارب ثلاث شخصيات أميركية تقاوم قوانين مكافحة المقاطعة لإسرائيل، معرضًا الصراعات القانونية والمهنية التي واجهوها.
- يكشف الفيلم عن كيفية استخدام القوانين الأميركية لتقييد حرية التعبير ودعم إسرائيل بشكل غير محدود، مما يعكس تجاهل الحقوق الدستورية وتهميش الأصوات المعارضة.
- يُبرز "المقاطعة" التناقض بين المبادئ الأميركية المثالية والواقع السياسي، مشيرًا إلى تأثير اللوبيات في تشكيل السياسة الأميركية لصالح الاحتلال الإسرائيلي وتعقيد النقاش حول الحريات المدنية.

إنّه وثائقي يروي قصة ثلاثة أميركيين: آلان ليفريت، رئيس تحرير صحيفة "أركنساس تايمز"، في أركنساس بالولايات المتحدة الأميركية. وهي صحيفة ليبرالية لا يُعنى رئيس تحريرها، بطبيعة الحال، بمقاطعة "إسرائيل"، لكنّه، وبحُكم عمله المهني كصحافي، يرى نفسه مُجبراً على الوقوف في وجه قانون مُكافَحة المقاطعة الذي أصدرته ولاية أركنساس والذي لا يسمح فعلياً لأحد بأن يقاطع "إسرائيل". سيمثّل ذلك بالنسبة لرئيس التحرير تهديداً لحرّية الصحافة وحرّية التعبير. وهو الأمر الذي وعدت به بلاده. لكن ما إن يُعلن أنّه ضد قانون مُكافحة المقاطعة حتى يشهد بأمِّ عينيه أنَّ الأمر ليس بسيطاً إلى هذه الدرجة، فالصحيفة ستواجه المتاعب المالية ولن تكونَ قادرة على الاستمرار، لأنها ستتوقّف عن تلقّي دعم إحدى الجامعات الحكومية التي تُموّلها. هكذا سيجد آلان ليفريت نفسه يتقدَّم بدعوى أمام "اتحاد الحرّيات المدنيّة" ضدّ ولايته، بسبب سياسة ازدواجية المعايير هذه.

باهية هي بطلة القصة الثانية. مواطنة أميركية من أصل فلسطيني، تعمل أخصائيّة علاج النطق لدى الأطفال في ولاية تكساس. تُقاطِع كلّ ما له علاقة بـ"إسرائيل"، تضامناً مع عائلتها التي تعيش تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من حاجة المنطقة التي تعمل بها لخدماتها كمُعالجة نُطق تتحدّث العربية، إلّا أنّها ستُطرد من عملها بعد رفضها الالتزام بعدم المشاركة في قانون مكافحة مقاطعة "إسرائيل" الذي أصدرته ولاية تكساس أيضاً. سترفَع الدعوى، وبعد معاناة طويلة، ستربحها، وتعود إلى العمل.

ميك جوردال، هو شخصيّة القصة الثالثة. مُحامٍ من أصل يهودي في ولاية أريزونا، قام برحلة إلى الضفّة الغربية المُحتلّة مع ابنه، وشاهَد وحشية الاحتلال، والرقابة الأمنية، وبشاعة مُمارسات المستوطنين. منذ ذلك الحين، قرّر مُقاطعة الشركات المُشاركة في دعم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. حياتُه، بعد هذا القرار، لن تكونَ كما قبلها، إذ سيُواجه المتاعبَ المالية، وسيضطرّ إلى تقديم خدماته مجّاناً.

رصْد للتشريعات المُعَدّة سلفاً لمعاقبة مُقاطِعي الاحتلال
 

هذه الشخصيات الثلاث هي أبطال الفيلم الوثائقي "المقاطعة" (2021)، لمخرجته البرازيلية جوليا باشا، والذي تعرضه منصة "نتفليكس" في إسبانيا، خلال هذا الشهر، إلى جانب غيره من الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية.

يُمكن اعتبار الشريط الوثائقي (70 دقيقة) رصداً لتأثيرات التشريعات في الولايات المتحدة المُعَدّة سلفاً لمعاقبة الأفراد والشركات الذين يقاطعون "إسرائيل"، لا سيّما بعد العام 2019، حيث أصدرت 34 ولاية أميركية قوانين تُعاقب كلّ من يستخدم المُقاطعة وغيرها من الأساليب غير العنيفة للضغط على كيان الاحتلال، بسبب ممارساته وسجلّه في مجال حقوق الإنسان ونظام الفصل العنصري. 

لكن يصعب اختزال الفيلم إلى هذا الحدّ وحده، فهو يضع قضيّة فلسطين في صلب المجتمع الأميركي، أي في المركز، لا سيّما في ظلّ التحيّيد والتهميش والتزوير المُمنهج الذي تُمارسه ماكينة الإعلام والصحافة وحجب كلّ المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني. وليست حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها هذا الكيان اليوم، منذ أكثر من خمسة أشهر، وكيف تعامل الإعلام الأميركي معها، إلّا دليلاً على ذلك.

مخرجة العمل، تحاول من خلال هذه القضايا الثلاث، التي سيرفعها أبطال الوثائقي على ولاياتهم، أن تجعل المجتمع الأميركي يتفاعل مع العديد من المسائل، أبرزها موضوع "المبادئ المثالية" التي لطالما ادّعت أميركا أنّها تصدرها إلى العالَم: الفُرص، والاستقلال، والتفكير النقدي، وحرّية التعبير، وحقوق الإنسان. فأين تقع هذه المُثل العليا في الحياة الأميركية أمام ما حدث مع هذه الشخصيات عندما قرّرت التعبير عن رأيها؟ 

كذلك تكشف جوليا باشا للمشاهدين آلية تمرير التشريعات الأميركية المتعلّقة بـ"إسرائيل"، والتي تمرّ دون أي تدقيق أو مراجعة، كما تكشف عن هشاشة الحماية الدستورية التي تهدف إلى حماية حق الأميركيّين في التعبير عن آراء سياسية مخالفة لآراء حكومتهم. 

تمرير التشريعات الأميركية لصالح "إسرائيل" دون تدقيق

ومهما يكن من أمر، يبدو جليّاً في الوثائقي كيف أن غالبية السياسيّين الأميركيّين قد قاموا بالتصويت، لأنَّ مشروع القانون مؤيّد للاحتلال الإسرائيلي فحسب، ولم يبذل أيّ منهم عناء من أجل قراءة القانون أو فهم دستوريّته. كذلك يكشف الفيلم أيضاً أنَّ الاحتلال الإسرائيلي يتجاوز القوانين الأميركية ضدّ التدخّل الأجنبي، عبر إنشاء هيئات غير حكومية تقوم بتحويل ملايين الدولارات إلى الجماعات الأميركية، التي تُشكّل لوبيّات وتضغط من أجل تصدير قوانين تصبّ في خدمة "إسرائيل".

يأتي فيلم "المقاطعة"، في سياق حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها كيان الاحتلال، ليؤكّد الدعم اللامحدود الذي تمنحه الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"؛ وهو دعم ليس على صعيد التشريعات وحدها، بل على الصعيدين السياسي والعسكري كذلك، وعلى صعيد الغطاء الدولي الذي تمنحه لها كي يصمت العالّم عن جرائمها التي ترتكبها اليوم في غزّة.

 

المساهمون