منذ صعودها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى اليوم، لم تقطع مهنة الصحافة العربية علاقتها الوطيدة بالمنفى والمهجر، حيث وُضِعَ قسمٌ كبيرٌ وأساسيّ من الإنتاج الصحافي العربي في بلدان أجنبية كان يقيم فيها الكتّاب والصحافيون والمفكّرون العرب وكذلك جالياتٌ، واسعة أحياناً، من الناطقين بالعربية، وذلك من المدن العثمانية إلى القارتين الأميركيتين، مروراً بأوروبا وعواصمها.
وإذا كان لهذا الانتشار والتوزّع الكبير أن يقول لنا شيئاً غير ديناميكية العمل الصحافي العربي لعقود، فربما أمكنه التدليل على هجرة كثير من المثقّفين العرب لبلدانهم نحو بلدان تقدّم لهم شروط عيش أفضل، وتوجّه الصحافيين والكتّاب إلى العمل والنشر في بلدان أُخرى تتيح لهم هوامش من الحرّية لا يجدونها في مسقط رأسهم.
بدءاً من الخامسة من مساء الثلاثاء المقبل، السادس عشر من أيار/ مايو الجاري، يُقيم فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في باريس جلسةً بعنوان "الصحافة (بـ)العربية خارج الفضاء الناطق بالعربية"، يشارك فيها الباحثون فرانك ميرمييه، وكاميلا باستور دي ماريا كامبوس، وأمل نادر، ويديرها الصحافي أكرم بلقايد.
الجلسة عبارة عن تقديمٍ ونقاشٍ للعدد الأخير من "مجلّة العوالم المسلمة والمتوسّطية" (عدد 152، خريف وشتاء 2022)، التي تصدر مرّتين كلّ عام بالفرنسية، والذي حمل العنوان نفسه الذي تحمله جلسة الثلاثاء المقبل، وهو عددٌ أشرف عليه كلٌّ من ميرمييه والباحثة ديانا كوبر ريشيه، وشارك فيه عددٌ من الباحثين، ومن بينهم كامبوس ونادر.
يشمل العدد مجموعةً من المقالات واللقاءات شديدة التنوّع والامتداد زمانياً ومكانياً، حيث ننتقل من دراسة أُنس دبش لـ"مغامرة أوّل صحيفة عربية بباريس"، تمثّلت بـ"برجيس باريس" (1859 ــ 1866) إلى مقالٍ لميرمييه وأديلي شوفيه عن "موقعٍ سوري عابر للحدود" هو المجلّة الإلكترونية "الجمهورية"، التي أنشأها عددٌ من المثقّفين السوريين بعد الثورة.
إلى جانب مقالات مثل "الصحافة الناطقة بالعربية في إنكلترا من خلال عدسة السياسات الخليجية" لأمل نادر ومحمد بندهان، أو "ميلاد وأفول الصحافة الناطقة بالعربية في السنغال من 1960 إلى اليوم" لجيم درامه.
عبر مداخلتهم في الجلسة، يسعى المشاركون إلى الإضاءة على تنوّع العمل الصحافي العربي في البلدان الأجنبية إلى درجةٍ جعلت من هذا الموضوع واحداً من أقلّ المواضيع حظوةً بدراسات عمومية وشاملة، بسبب اختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية بين حالةٍ وأُخرى.
كما يضيء الباحثون على التفاوت الكبير بين المنشورات المدروسة في العدد، إن كان على مستوى الطبيعة أو المقاربة الصحافية (صحافية يومية عمومية، أو ثقافية، أو ساخرة، إلخ) أو الرؤى السياسية والاجتماعية، أو على مستوى استمراريتها وأصداء تجربتها، حيث تُدرَس حالات مجلّات لم يصدر منها إلّا بضعة أعداد في باريس أو المكسيك، على سبيل المثال، في حين يجري التوقّف عند صحف صدرت لأعوام وما تزال تصدر من لندن أو غيرها من المدن والعواصم حول العالم...