الشحرور، أحد أجمل الطيور في العالم وأكثرها إبهاراً في الصداح، هو سيّد موسيقاي، سواء عشت طويلاً في جبال كتالونيا، أو عشت قليلاً في ريف وغابات منطقة كيسندر لو، في فلاندرز المسطّحة. معه، أنا بخير دوماً. ولكَمْ ألهمني تغريدُه، كي أكتب نثراً وشعراً.
ولا غرو أنّني أحرص، بعد ظهيرة كلّ ثلاثاء وخميس، على انتظار العجائب، هنا، في أحد أطراف الحقول المنعزلة، بالقرب من شجرة مفردة، أو غابة فسيحة، أو نهر صغير جارٍ. مع ملاحظة فروق بينهما: في برشلونة، يُسمع صداح الشحرور منذ أول غبش الفجر، وهنا لا يُسمع إلّا بعد الفجر (أحياناً في السادسة والنصف صباحاً). ظاهرة غريبة حقّاً، ومبهمة الأسباب.
وعلى كلّ، فالمجد لك لك، على العشب، أو فوق أعلى نقطة من شواشي الشجر، يا طائر الشعراء الأسطوري. ولنا، نحن طيور الأرض مهيضة الجناح، المحكومة بتمحيص التراب، يا معلّم!
إننا نسمعك، وليس هذا بمستغرب، كطريقة غير واعية لشفاء الذات المكسورة، أو التغلّب على صدمات ما بعد اللجوء.
مثلنا مثل أي كائنات منعزلة، تعبُرُ وتعبّر، في العلاقة مع الطيور اللامبالية، عن رغبة رومانسية في البرّية المتطرّفة، بما تحتوي من غموض.
بلى، والآن ها هو يطير وراء أشجار الدردار والحور، هناك حيث لا أسوار للمزارع. ولم يبقَ لي سوى الريح تهبّ، والشمس تختبئ قبالة الرقبة، بينما اليدان متصلّبتان بالبرد، والعينان صافيتا الرؤية.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا