اللجوء والاستعمار

17 سبتمبر 2022
جزء من عمل لتيسير بركات/ فلسطين
+ الخط -

إذا تمّ الاعتراف رسميًا بوجود أكثر من 43 مليون شخص أُجبروا على الانتقال من أماكنهم الأصلية في عام 2011 (على الرغم من أن 15 مليونًا منهم فقط يتمتّعون، من الناحية القانونية، بالحماية الدولية)، فبعد أكثر من عقد بقليل، اقترب عدد النازحين من الضعف. ووفقًا لـ"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كان هناك فعلًا، بنهاية عام 2021، أكثر من 82 مليون نازح قسريًا، أقل من ثلثهم معترف بهم على أنهم "لاجئون".

كما هو الحال مع الدول الأوروبية الأخرى، كانت مثلاً للدولة الإسبانية ــ تاريخياً ــ سياسة لجوء تقييدية، تتجاهل، بحكم الواقع، الظروفَ التي تؤثّر على ملايين الأشخاص المشرّدين، الذين لا يتمتّعون بأي شكل من أشكال الحماية الداخلية. أمّا بلجيكا، فأضلّ سبيلًا وأقلّ مروءةَ دولة.

والنتيجة المباشرة لهذا الإنكار لمئات الآلاف من البشر، هي أن يصبحوا جزءًا من جيش العمّال غير النظاميين الذين بقوا على قيد الحياة في الاقتصاد الأسود، عندما تمكّنوا من التغلّب على العديد من العقبات التي تواجههم (بما في ذلك عقباتهم الخاصة): "مخيّمات اللاجئين" في البلدان المجاورة، و"مراكز اعتقال الأجانب" في بلدان إقامتهم الجديدة، أو "العودة" إلى البلدان نفسها التي فرّوا منها؟

باختصار، فإن كلًّا من الاتحاد الأوروبي والدولة الإسبانية ومعها بلجيكا، على وجه الخصوص، لديهم ديون تاريخية في ما يتعلّق باللجوء (وحالة سورية توضيحية بشكل خاص)، حتى أنهم فشلوا في الامتثال لالتزاماتها السخيفة حول "حصص اللاجئين".

ما لا يقلّ عارًا: في حين أنه يُمنع الوصول إلى الحقوق الأساسية لمجموعات معيّنة من النازحين، فإنها ــ تلك الدول ــ تمنحها تلقائيًا لمجموعة أخرى، وتعرض إجراءات اللجوء على أنها امتياز أكثر من كونها حقًا. ما الذي يحفّز هذه اللامساواة الواضحة في المعاملة، عندما يتمّ دفع العديد من المجتمعات إلى هجرات جماعية بسبب الحروب المختلفة (والتي، كما لو لم يكن ذلك كافيًا، شاركت القوى الغربية أيضًا بشكل حاسم في مصائبها القارّة)؟ كيف ترتبط هذه المعاملة بخصائص السكّان المدنيين المتضرّرين أو عضوية أوكرانيا في أوروبا؟

تضامن مفترض مع بعض اللاجئين يقوم على اللامبالاة بالبقية

يمكن للمرء أن يُصرّ على القرب الجغرافي للسكّان المتضررين، على قرب هويّة معيّنة لضحايا الحرب التي تؤثّر بشكل مباشر على بلد أوروبي. ففي الخطّ الفاصل بين "نحن" و"هُم" أو "الآخرين"، عندما تكون أوّل مَن يتأثّر، تتضاعف إرادة المساعدة (ونشر الوسائل لهذا الغرض) بوتيرة متسارعة. فجأة، تحوّلت الذرائع التي تذرّعت بها الحكومة لتعزيز الأمن في سياستها لمراقبة الحدود (مع عدد القتلى المعتاد في البحر الأبيض المتوسط) إلى خطاب تضامن مع اللاجئين الأوكرانيين.

في هذه المرحلة، من خلال توضيح أن المساعدة الإنسانية (بما في ذلك استقبال النازحين)، هي مسألة إرادة سياسية، يكشف الاتحاد الأوروبي عن معاييره المزدوجة.

والأكثر من ذلك: بما أن الاتحاد الأوروبي يستطيع أن يفعل ذلك ولا يفعله (في كثير من الحالات الأخرى)، ألا يُظهر بوضوح عنصريّته، التي عادةً ما تكون مخبّأة في حجج معقّدة في الأوقات التي لا يكون فيها هو نفسه المتضرّر بطريقة سلبية؟

أليس هذا مثالًا صارخًا على ما لا يفعلونه مع بقية النازحين القادمين من مناطق مختلفة من العالم، متأثّرة بالحروب الاستعمارية، إن لم يكن بسياسة الأرض المحروقة أو الاضطهاد من طبيعة مختلفة؟ لماذا الاستعداد للمساعدة غير متكافئ للغاية، في حين أن المواقف التي تدفع هذه الجماعات البشرية إلى النزوح متشابهة جدًا؟ لا توجد طريقة أخرى لتكون متماسكًا سياسيًا سوى التأكيد لجميع النازحين على ما يشكّل اليوم امتيازًا غريبًا للأوكرانيين المشرّدين.

إن عالمية القانون هذه ــ في الواقع، تناقضت مرّات لا تحصى مع كارثة إنسانية لا تتوقّف عن تكرار نفسها ــ هي ما يمكننا أن نطالب به حكوماتهم، لو كان لنا صوت، وأيّانَ يكون. لأن التضامن الأوروبي المفترض، الذي يقوم على اللامبالاة تجاه الآخرين ــ ضحايا الاستعمار المستمرّ، الذي ينفجر الآن أيضًا في وجوههم ــ لا يزال يمثّل تمرينًا جديدًا في السخرية.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون