يقول الكاتب الفرنسي ألبير كامو إنّ "الطريقة الوحيدة لمواجهة عالم غير حرّ هي أن يكون المرء حرّاً بشكل مطلَق، لدرجة أن يصبح وجوده نفسُه فعلاً متمرّداً". ولكن ما هي الحرّية؟ وهل من الممكن أن يكون المرء حرّاً في المجتمع؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فمن أين ينبعُ هذا التوق العميق القابع في أنفسنا نحو الحرية؟ وإذا كانت حرّيتنا تبدأ عندما تنتهي حرّية الآخرين، ألا يعني ذلك أنّ للحرّية حدوداً؟ من يضع تلك الحدود؟ وهل يمكن أن تنتهي حرّية الفرد؟ هل نحن أحرار حقّاً؟
على مرّ التاريخ، تناول الكّتاب والشعراء والفلاسفة المعنى الحقيقي للحرّية، من شكسبير في عمله المسرحي "العاصفة"، إلى كالديرون في عمله الرائع "الحياة حلم". وجميعهم حاولوا أن يفكّوا رموز تلك العلاقة الغامضة بين البشر؛ تلك اللعبة المُنحرفة التي يُصبح فيها المرء سيّداً، والآخر عبداً. وإذا فعلوا ذلك، فلأنّها واحدةٌ من أعمق القضايا وأكثرها إثارةً للجدل منذ أن بدأ البشر يعيشون في المجتمعات.
سأل الكاتب الإسباني ميغيل ديليبس (1920 - 2010) نفسه، كمثل العديد من عمالقة الأدب والفكر، هذا السؤال. وليست روايته "القدّيسون الأبرياء" (1981)، التي قرّر المخرج الإسباني خافيير فيرنانديز سيمون نقل نصّها إلى المسرح وعرضه على خشبة "نافيز دي إسبانيول" في مدريد، إلّا تأكيداً على أنّ هناك في الحياة عالمان: عالَمُ من يأمر بقسوة، وإذلالٍ وبلا إنسانية؛ وعالَم من يعمل ويُطيع بذلّ واستعباد.
عالَم مَن يأمر بإذلال وبلا إنسانية؛ وعالَم مَن يعمل ويُطيع
تتناول المسرحية التي يستمرّ عرضُها حتى الحادي عشر من حزيران/ يونيو الجاري، على غرار الرواية، قصّةٌ عائلة تعيش في الريف الإسباني في ستّينيات القرن المنصرم، حيث تعمل عائلة الفلّاحَين باكو وريجولا وأولادهما الأربعة في خدمة عائلة إقطاعية في مزرعة كبيرة، ويتعرّضون فيها لكافّة أنواع الذلّ التي يمكن أن يمرّ بها إنسان.
الجديد في المسرحية هو شخصية آزارياس، شقيق زوجة باكو، الذي يُطرد من عمله ويأتي للعيش مع أخته والعائلة في المزرعة. يقدّم المخرج هذه الشخصية بصورة بطل مختلف عمّا جاء به في الرواية، حيث كان في الرواية مصاباً بشلل دماغي، مستلقياً على السرير دائماً.
إدانة أخلاقية للظلم الاجتماعي وأسبابه
أمّا باكو، بطل المسرحية، الذي سيكون همّه الوحيد تعليم أطفاله التخلّي عن الحياة التي يعيشونها، فسيتحمّل بصبر حديدي كلّ المواقف التي يتعرّض لها، وسيكون السؤال الذي يتركه مخرج العمل مع انغلاق الستار بانتظار جوابنا. بابان في الجزء الخلفي من المسرح هما اللذان سيُحدّدان الاختلافات الطبقية بين شخصيات المسرحية؛ باب كبير يخرج منه نور أبيض، في إشارة إلى منزل الأغنياء؛ وسترة مهترئة تُستَخدم باباً؛ حيث تخرج منه عائلة باكو الفقيرة.
تشكّل مسرحية "القدّيسون الأبرياء" إدانةً أخلاقية للظلم الاجتماعي وأسبابه وعواقبه، كما أنّها تثير مسألة التسلسل الهرمي الوحشي للمجتمع الذي يتسبّب في نزع الصفة الإنسانية عن أفراده.
يستفيد مخرج العمل من حبكة الرواية لكي يسقط بعض الموضوعات السياسية والاجتماعية على الواقع السياسي والاجتماعي في إسبانيا، لا سيّما مؤسّسة التعليم، التي يجب أن تُعلّم المرء مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وإلغاء الفروق الطبقية بين أفراد المجتمع.