إذا كانت أغلب المدارس والمناهج الفكرية الغربية قد وجدت كثيراً ممّن يتبنّونها عربياً، كما هو الحال مع البنيوية والوجودية خلال القرن الماضي، فإن الفينومينولوجيا (أو الظاهراتية، أو عِلم دراسة الظواهر) لم تحظَ حتى بشرف التلقي الذي حظيت به تلك التيارات، وهو ما يُمكن الوقوف عليه إن كان في قلّة الأعمال المترجمة من الاشتغالات الفينومينولوجية المعاصرة، أو من قلّة التأليف والاشتغال وفقاً لهذا النظرة الفلسفية.
ضمن هذا السياق، لا يمكن للمهتمّ إلّا أن يتتبّع كلّ مسعى عربيّ يحاول سدّ النقص في معرفتنا بهذا المنهج الذي يعِدنا، منذ تأسيسه على يد النمساوي إدموند هوسرل مطلع القرن الماضي، بدراسة الأمور (الوجود، الجسد، الحب، الآخر، الأخلاق، الأدب، اللغة، على سبيل المثال) عبر العودة إليها ووصفها مباشرةً كما تظهر لنا في وعينا الخالص، مع التخلّص قدر الإمكان من المعارف المسبقة والأيديولوجيا، وهو ما يعرف الجميع حاجتنا إليه عربياً.
من هذه المساعي ندوة "الفينومينولوجيا عربياً"، التي انطلقت صباح اليوم الإثنين في "جامعة تلمسان" الجزائرية، بتنظيم من "مخبر الفينومينولوجيا وتطبيقاتها" التابع للجامعة، وبمشاركة باحثين بشكل أساسيّ من الجزائر، إلى جانب باحثين جاؤوا من تونس ومصر ولبنان والسعودية.
افتُتحت أولى جلسات الندوة، التي تستمرّ حتى ظهيرة الغد، بورقة (أُلقيَتْ عن بُعد) لخنجر حميّة حول "التلقّي العربي للفينومينولوجيا ومشكل التأسيس"، وهي واحدةٌ من اثنتين من المداخلات التي ركّزت حول شغل فينمينولوجي عربي، إلى جانب ورقة محمد شوقي الزين المعنونة "النومينولوجيا استئنافاً للفينومينولوجيا: قراءة في كتاب 'الوجود والوعي' لشايع الوقيان". بقية المداخلات تناولت فينومينولوجيا هيغل (مونيس بخضرة، أحمد حمبي) أو عرّفت ـ كما في مداخلة عبد الحليم عطية ـ بكتاب هربرت سبيغلبرغ "الحركة الفينومينولوجية" الذي ترجمه خنجر حمية.
الجلسة الثانية تركّزت حول اشتغال اثنين من الباحثين السعوديين في الفينومينولوجيا، إذ ألقى شايع الوقيان محاضرةً بعنوان "هل يمكن قيام أنطولوجيا على أساس المنهج الفينومينولوجي؟"؛ في حين ألقى عبد الله المطيري ورقة بعنوان "في فينومينولوجيا اللغة: آفاق التعاطي الفينومينولوجي مع اللغة"، وهو الباحث نفسه الذي تناول رحيم عمر كتاباً له بالقراءة في ورقته "الفينومينولوجيا والسعادة: قراءة المطيري للغيرية الليفيناسية من خلال عمله الموسوم بـ'فلسفة الآخرية'". أمّا رابع مداخلات هذه الجلسة، فقد تمثّلت في ورقة لماهر عبد المحسن بعنوان "أحمد عبد الحليم عطية والفينومينولوجيا: من التلقّي إلى اللقاء".
وباستثناء مداخلتين لكل محمد الشيخ ("فينومينولوجيا الدين لأزمة علوم التراث العربية: حسن حنفي") وحجوب يوسف ("الفينومينولوجيا وولادة المفهوم عربياً")، فإن الأوراق المشاركة في جلستَي الغد تدور بشكل أساسي حول الفينومينولوجيا الفرنسية، وقليل من الألمانية، مع أوراق مثل "اليد واللمس والكتابة: دريدا والتلقي الفرنسي لفينومينولوجيا هوسرل" لخديجة سعيدي، أو "ولادة الانعطاء عند جون لوك ماريون" لعبد العزيز مباركي، أو "الإيبوخي والقطيعة الإيبستيمولوجية: باشلار مستأنفاً هوسرل" لحسين بن عبد الله.