أقامت رابطة "خريجي جامعة كولومبيا" "Columbia Arab Alumni Association"، مؤخراً، ندوة افتراضية تحت عنوان "الفن والتمثيل وسط الأزمات" تحدث خلالها الفنانون؛ التونسي إل سيد، واللبناني سليم معوّض، والباحثة والمصممة المصرية بسمة حمدي، وأدارت الحوار الفنانة اللبنانية رلا خياط.
الندوة تناولت الطرق المختلفة التي استعمل فيها الفن في السنوات العشر الماضية، للتعبير عن الناس وتمثيل الأزمات الاجتماعية والسياسية، وبالأخص فنون الشارع والغرافيتي كرد فعل على أوقات الاضطراب السياسي والاجتماعي والمشاركة في الاحتجاج عليها، حيث تناولت محاور مثل أهمية الرسم في الفضاء العام، وعلاقته بالناس والسلطة ودور هذا الفن وتأثيره.
المصممة بسمة حمدي، شاركت في تأليف كتاب "جدران الحرية: فن الشارع للثورة المصرية" الذي نُشر في عام 2014 ، وكذلك شاركت في تأليف كتاب "خط: منظر طبيعي للخط في مصر" ، الذي نُشر في عام 2018، تقول في بداية الندوة "أعتقد أن الخطاب العام ينظر إلى فنون الشارع على أنها وسيلة تفاعلية ربما لا تكون بالضرورة مستدامة من حيث تأثيرها، لذا فهي تمتلك طبيعة رد الفعل هذا الذي يخلقه الفنان ولا يمكن الاحتفاظ به، حيث تبدأ تنتهي صلاحيته من حيث آثاره بنهايته هو فقد تجري إزالته، أو بنهاية العبور أمامه، أو بنهاية الحالة التي رسم خلالها".
وأضافت: "في مصر كانت الحالة فريدة بعض الشيء، لأن كل شيء خلال الثورة كان يدار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لذا أعتقد أن هناك مكونات تفاعلية أوسع، أو أن رد الفعل المستمر تم نقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي، فقد يرسم الفنان على الحائط ويتلقط أحدهم صورة له، وتوزع على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يزوره من يهتم برؤيته أو يعلق عليه فطرق التفاعل مع هذا العمل الذي ينتمي إلى فن الشارع اتسعت، ووصل العمل إلى نطاق أوسع مما يحدث عادة في حالة فن الشارع أو الغرافيتي".
أما الفنان التونسي إل سيد (1981)، المعروف بحروفياته العربية حول العالم، فقال في مداخلته: "لم أكن في تونس وقت الثورة عام 2011، لكن ما لاحظته أن ما يقال عادة من أن الفنانين يصنعون الثورة، يخالف الحالة التونسية، حيث سمحت الثورة لفنانين جدد أن يولودوا وأن يعبروا عن أنفسهم في فضاء عام بلا خوف. تتحدثون عن الإبداع كرد فعل على شيء ما، ولكن في رأيي إن أي فعل رسم لعمل فني في الشارع هو فعل سياسي أياً كان نوع ومضمون هذا الفن، رسالة حب أو انتقاد للحكومة، إعطاء شيء بصري للجمهور العام هو فعل سياسي".
وأضاف: "الرسم في الفضاء العام دعوة للجميع من مختلف الأديان والأطياف، أحياناً كنت أشهد على محادثات الناس بالقرب من الصورة على الجدار، وكانت أفكارهم تأخذهم إلى ما هو أبعد من الرسمة على الجدار. وهنا تكمن قوة الفن في الفضاء العام، فمن تجربتي الشخصية هو يجلب الناس معاً ويتيح لهم النقاش حول قضية معينة".
بدورها، أشارت حمدي إلى الغرافيتي في شارع محمد محمود في القاهرة، الذي رسمه علاء عوض وعمار أبو بكر للإبقاء على ذكرى ضحايا مذبحة بورسعيد في 2012، وتذكر تفاعل الناس مع هذه الجدراية التي تحولت إلى مكان لتذكر الضحاياً، كان يأتي أصدقاء الضحايا وأمهاتهم لينظروا إلى البورتريهات التي تجسد أبناءهم، لكن مع الوقت أصبحت الجدارية تقدم وتنسى، فأتى الفنان أبو بكر، ورسم فوق الرسمة التي بهتت صور الأمهات ينتحبن وكتب بجانبها "سيبك من اللي فات وخليك في الانتخابات" فعاد النقاش مرة أخرى للحديث حولها. تضيف سماح: "هناك الكثير من القصص التي وثقناها حول هذا الجدار الذي تحول إلى معلم سياسي".
الفنان اللبناني سليم معوض (1973)، والناشط في حقوق الإنسان الذي عمل في المنطقة العربية وأميركا اللاتينية وأفريقيا يرى أن "الفن والسياسة في العالم العربي مرتبطان بالسياقات الثقافية المختلفة، فالحالة في مصر التي كنت حاضراً وقت الأحداث فيها، تميزت بحاجة الناس المتشوقين إلى المكان المفتوح للتعبير، وكذلك في تونس. أما في بيروت فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فقد كان لدينا دائماً حرية التعبير، ولكن لم يكن لدينا فن شارع كبير وحاضر في الفضاء العام، فاستنتاجي أن الثورة قدمت معروفاً للفنان وليس العكس، من حيث أنها أتاحت للفنانين إظهار أنفسهم وأفكارهم وأيديولوجياتهم السياسية، والتي لم تكن تبدو أيديولوجيا في حقيقتها، التي دفعت الفنان للغرافيتي، ولكن كان الأمر بمثابة عرض أدائي، فقد أصبح لدينا جمهور ضخم لأول مرة".
وأضاف: "ليس لدينا في بلادنا العربية تقليد المناظرة والمناقشة حول الفن بعد نهاية العرض، وأنا أسمي الثورة "عرضاً"، لا يحدث الشيء الكثير بعد نهاية الحدث، لكن الأمر مختلف في أماكن أخرى. نحن بحاجة إلى أن نعرف كيف نجعل ثقافة الفن في الفضاء العام مستدامة. القضايا الكبرى والصغيرة التي نواجهها يومياً ولا يتوجه إليها فن الشارع عادة الذي يخاطب الأحداث الكبيرة".