تتوّجه العديد من الدراسات في العالم العربي مؤخراً إلى استنطاق التاريخي الشفوي من خلال دراسة الأرشيف الشخصي للأفراد والعائلات، والبحث في صورهم وتسجيلاتهم الصوتية والمرئية، ووثائقهم ومتعلقاتهم، ومقارنتها بسير الأحداث الموثّق في المدوّنات الرسمية.
ضمن هذه المحاولات، صدر حديثاً كتاب "من تاريخ المجتمع التطواني: وثائق عائلية، القرن 18- القرن 20" للباحث المغربي الطيب أجزول، عن "منشورات باب الحكمة" بالاشتراك مع "جمعية تطوان أسمير"، وفيه يدرس عقود زواج ووصايا ومقاسمات للتركات ورسائل يعود تاريخ بعضها إلى حوالي ثلاثة قرون.
يدرس الكتاب عقود زواج ووصايا ومقاسمات للتركات ورسائل يعود بعضها إلى ثلاثة قرون
تتقاطع هذه الوثائق مع أحداث سياسية بارزة في تاريخ المدينة (280 كلم شمال الرباط)، مثل الحرب المغربية الإسبانية عام 1860، والأدوار التي لعبتها شخصيات من تطوان في الحياة العامة، والتحولات التي عاشها مجتمعها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
أجزول الذي يحمل درجة الدكتوراه في الفيزياء، يمسك بأدوات المؤرّخ في كتابه، وكذلك المحقّق والمدقق للمخطوطات والوثائق كما يشير الباحث محمد يوبي إدريسي في التقديم، مشيراً إلى بحثه المعمّق في تفاصيل دقيقة في المعيش اليومي عبر استحضار ذاكرة عدد من أعلام المدينة، وكذلك شرحه لبعض المصطلحات التي بات يخفت استعمالها من قبل أهلها.
ويبين المؤلّف في تقديمه أيضاً كيف استحضر ذاكرة عائلته بالعودة إلى مخطوطات تركها أحمد بن عيسى أجزول الذي عاش في القرن الثامن عشر، وأحمد بن الحاج محمد أجزول الذي عاش بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وعبد السلام بن الحاج أحمد أجزول الذي عاش خلال القرن التاسع عشر، وصولاً إلى جده ووالده الذي شهدا أحداثاً في القرن العشرين.
ويستند أجزول في دراسته إلى جملة مؤلّفات ومقالات تدعّم ما جاء في الوثائق الشخصية لعائلته، منها "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" لأحمد الرهوني، و"تاريخ تطوان" و"عائلات تطوان" لمحمد داود، و"معلمة تطوان" لمحمد بن عزيز حكيم، و"الزاوية" للتهامي الوزاني"، وغيرها.
يتوزّع الكتاب على ثلاثة أقسام، حيث يحمل القسم الأول عنوان "الوثائق، والبحث في النسب وفي أفراد العائلة" وخُصص لتبيان معلومات عن جذورها وأهم شخصياتها خلال ثلاثة قرون، مع صورٍ شخصية لبعضها ورسم لشجرة العائلة، بينما أضاء القسم الثاني "مظاهر من الحياة الاجتماعية من خلال ما نُشر وجاء في الوثائق" عن حضور التطوانيين في الوظائف العليا لدى سلاطين المغرب وانعكاس ذلك على الأحداث الجارية، ومؤرخاً أيضاً للأمراض والأوبئة التي حلّت بالمدينة، والعديد من المشاريع العمرانية التي أقيمت في المدن، وترميم المدينة العتيقة، وجانب من الأنشطة الثقافية.
أما الفصل الثالث "نتائج الدراسة ومقترحات تهمّ جمع وتوثيق المخطوطات المحلية"، فيتناول ما كشفته الوثائق من مظاهر للحياة الاجتماعية وموقع المرأة فيها، كما يناقش فكرة إنشاء مركز للعناية بالوثائق المحلية.