زمان، في طفولةٍ تشبه حلماً عبَرَ، عشت مع الجمال، ورافقتها، وهي محملة بصناديق ثمرة الجوافة، من شاطئ البحر بخان يونس، إلى سوق المدينة القديم، بجوار المقبرة القديمة.
ثلاثة كيلومترات ونيف، يقطعها الجمل رصيناً، وعارفاً، على رمال السوافي الصفراء، دونما حاجة لقيادة أو دليل.
واليوم، بعد نصف قرن، جرى فيها ما جرى، أفكر:
ما الذي يجمع شاعراً بجمل؟
ما الذي يجعل من كليهما، من بين الكائنات الحية جميعاً، متشابهَين، بشكل كبير، بعضهما للبعض:
أظن: كلاهما مُجترّ بامتياز.
فقط الفرق الوحيد بين الشاعر والجمل، أن الأخير يعرف الطريق لوحده، بينما الأول، لا طريق له، وإن وجدت، فبدون صُوىً.
ربما لهذا السبب، يموت الشعراء مبكرين؟
يموتون قبل غيرهم، من مقترفي الفنون الأخرى؟
من يدري؟ فالكل يعلم، أن الاجترار ـ كما أثبت العلْم ـ مجلبة للاكتئاب.
هل رأيتم، مرة، شعراء سعداء، إلا للحظات؟
وماذا يعني الاجترار ـ من بين أمور أخرى ـ سوى النظر إلى الخلف بطاقةٍ أقل فأقل؟
وكل ناظر كهذا، كما في الأسطورة، يتحول تمثالاً من الملح؟
ترى كم متوسط عمر الشاعر العربي، الآن وهنا، في قرننا هذا وجغرافيتنا هذه، وهو محاط بكل ما يدعوه إلى الموت، عاجلاً لا آجلا؟
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا